مستند بحثنا يأخذ بعين الاعتبار أن الفقه بعد استقراره يمثل أحد أشكال تحول التدين العفوي في زمن النبوة بالخصوص إلى تدين مقنن، وهذا التقنين الفقهي، فيما يهمنا في هذا البحث، مثله علم أصول الفقه الذي يسعى إلى ضبط طرق الاستنباط لذلك لم يكن بالإمكان أن نعرض عن أصول الفقه والتطرق فحسب إلى الفقه، ولذلك رأينا أنه من الضروري تخصيص قسم من البحث لأصول الفقه حتى نتمكن من الوقوف على خصائص نظرة الفقهاء إلى الإسلام.
وللوقوف على خصوصيات هذه النظرة، قسمنا عملنا إلى ثلاثة محاور كبرى تأخذ بعين الاعتبار ناحيتين على الأقل: الأولى تمثلها الناحية التاريخية، والثانية مكملة للأولى وتتمثل في أن التتبع التاريخي لا يقتصر على رصد تطورات الفقه الإسلامي قرناً فقرناً بل هو تتبع قائم على أبرز التحولات التي عرفها الفقه منذ زمن النبوة. ولعل طول الفترة التاريخية التي نهتم بها، كان من الأسباب الوجيهة التي ستجعلنا نقتصر على أهم التحولات التي كان لها الأثر البالغ في الفقه من خلال نظرنا في: 1-الممارسة الفقهية قبل التنظير، 2-التنظير لمؤسسة الفقه، 3-المقولات الفقهية.
وما نشير إليه أخيراً أن اعتمدنا سيكون كبيراً على النصوص القديمة ومحاولة استقرائها مع مقارنتها دائماً بما ورد في النص القرآني لرصد مدى تقيد الفقهاء بمبادئ النص وتوجيهاته أو الإنزياح عنها، والغاية القصوى من وراء ذلك تبين أبرز خصائص إسلام الفقهاء.
بدأت هذا الكتاب وأنا أعتقد أنه كتاب تأريخي للمذاهب الفقهية ونشأتها وآرائها، لكني وجدته كتاب نقدي صارم بل يتعدى مرحلة النقد إلى الهدم! فهو يعرض أهم الإشكاليات والتناقضات التي واجهت الفقه كأحد العلوم الإسلامية ليس في مرحلة تكوينه وبلورته بل في كل مراحل التاريخ الإسلامي من قبل نشأة المؤسسة الفقية-منذ عهد الرسول- وحتى بعد وصول الفقه إلى ما وصل إليه اليوم من كثرة الكتب والآراء والتقديس! وأعتقد أن هذه الأخيرة (التقديس) هي أهم إشكالية بنى عليها الكاتب بحثه، إذ كيف يتم تقديس آراء السابقين والوقوف عند آرائهم الفقهية وهي مبنية في الأساس ومحصورة في الظروف المحيطة سواء كانت إجتماعية أو سياسية أو اقتصادية؟ وهذا يحيلنا إلى مصطلح (السلف) الذي اعتمده البعض أيضًا في إضفاء قدسية على آراء واجتهادات الصحابة والاستعانة بها في وضع حدود صارمة كحد الردّة والرجم وشرب الخمر-مع غياب النص في هذا الأخير- ومن ثم العودة إلى محاولة تضييق نطاق تطبيق هذه الأحكام كي تتوافق مع طبيعة المجتمع والعصر. ولكن هذه الإشكاليات لم تقف عند ما اسماه الكاتب بمرحلة "الممارسة الفقهية قبل التنظير" بل حتى في الأصول التي تعتمد عليها المؤسسة الفقهية ذاتها. وإن لم يكن هناك اختلاف يُذكر حول حجية االكتاب-في رأيي ولا أعلم لم جاء رأي الكاتب ها هنا مُبهم- مع إثبات الشافعي لعربية الكتاب ونفي شبهة الأعجمية عن ألفاظه، فإن الاختلاف ابتدأ حول حجية السنة من حيث أنها مُدونة بعد تداولها مشافهة بحوالي قرنين من الزمان، ومن حيث ملائمتها للواقع الإجتماعي، ومن حيث صدق المرويات!
لقد كان محور الخلاف بين "أهل الرأي" و"أهل الحديث" متمثلاً في مدى التمييز بين ما كان ملزمًا من أقوال النبي وأفعاله وقراراته، وما كان منتميًا إلى مجال الوجود الإجتماعي لشخص النبي، فقد أصرّ الفريق الأول على التمييز بينهما بينما أصرّ الفريق الثاني على التوحيد بينهما
وينطلق الفريق الثاني من تفسير الآية " وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" على ما قاله ابن حزم من أن الوحي شامل كل أفعال الرسول وأقواله في حياته اليومية وليس ما يتعلق بالوحي-الذي هو القرآن- فقط
*صدق المرويات كما يحدث في النص بعمومه! وإذا كان فيما يتعلق بحجية السنة مجرد اختلاف فإنه يتحول إلى خلاف في أصليّ الإجماع والقياس، حتى إن الإجماع نفسه لم تجمع عليه الأمة على حد تعبير الكاتب! بعد الانتهاء من تفنيد تناقضات الأصول، يذهب إلى المقولات الفقهية ونقدها في رأيي هذا الجزء الأمتع، دائمًا ما تستهويني المراحل التطبيقية يقسمها الكاتب إلى جزئين؛ فقه الحدود وفقه المعاملات فقه الحدود يشمل؛ حد السرقة (حضور النص) وحد الزنا (شبهة النص) وحد الخمر (غياب النص) ويتعرض لمناقشة وتفنيد كل منهم على التوالي ثم فقه المعاملات؛ ويناقش 1- تعدد الزوجات وينقد دون أن يبدي أسباب اقتطاع آية "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" من سياق الخوف من القسط في اليتامى!! 2- العبودية 3- أهل الذمة وأعتقد أن الحديث عن كلاهما سواء بالنقد أو خلافه لم يعد له مجال ولا داعي في المجتمعات الحالية، ثرثرة لن تُجدي نفعًا 4-الفقه السياسي، أو الجهاد!
الكتاب قوي من حيث التنظيم في عرض الأفكار وحجتها، لكن كأي فكر تجديدي أو في محاولة للتجديد كان عليه الاستفاضة والتوضيح كما كان عليه العرض لأفكار أخرى لتشكيل منظومة فقهية سليمة عكس تلك التي قام بنقدها آفة هذا الكتاب وما منعني من تقييمه بالعلامة الكاملة، هو أنه يعرض نصف آراء، ينقد ويقدم أسباب دون أن يقيم الحجج التي تقنعني بتبني تلك الأسباب هناك كثير من الأشياء وقفت أمامها لا أعرف هل اتفق معه أم اختلف؟ وأنا لا أعلم الأساس والمصوغات التي بنى عليها أفكاره أهي قوية أم أنها لن تصمد هي الآخرى أمام التفنيد؟ لكنه في النهاية يبقى كتاب جيد، من الكتب التي تعبث بالعقل وتدعو للتفكير ورغم ضيقي من آراؤه المبتورة وأنه يُحيلني إلى كتب وأبحاث آخرى للفهم والاستيعاب بوضوح، لكنه نجح في اشعال فتيل الشغف وأعتقد أنني ساقرأ الفترة القادمة الكثير عن هذا الموضوع
كتاب قيّم جداً.. يقوم نادر حمّامي بتجاوز الخطوط الحمراء واضعاً إسلام الفقهاء الموروث تحت المجهر، مبيّناً بنظرة تحليلية نقدية مدى صلاحيته لعصرنا هذا..
يطرح نادر حمّامي في الكتاب أفكاراً خطيرة و هامة جداً، كفكرة الوحيين و عصمة النبي كبشر و مصادر التشريع و حجّيتها، ثم يبيّن المنعرج الذي سار بعده الفقهاء في خط مختلف بلا رجعة و هو رسالة الشافعي... فإسلام الفقهاء هو الذي حاد بالفهم المقاصدي للنص القرآني عن التعامل الحر المباشر، متوجهاً به نحو فهم مقنّن و مسيّج بيد "أهل الحل و العقد".. فلا فهم إلا عن طريقهم، و لا دور للعقل و الفرد..
"إن إضفاء القداسة على أحكام متأثرة بالظروف التاريخية المخصوصة سيكون ذا أثر بعيد في كبح تطور المجتمعات الإسلامية عندما تتغير ظروفها" كيف لا و قد كرّس الفقه لتبرير الماضي و تقديسه و تأويل النصوص - بل وضعها أيضاً - تماشياً مع المصالح الاقتصادية و السياسية لدى السلاطين و الخلفاء!؟ كيف لا و قد ألغي كل دور للعقل و قضي على أي فرصة للاجتهاد الحر و تهم المروق من الدين و الخروج عن الإجماع و الكفر جاهزة؟؟
يدعو الكاتب إلى خلع القداسة عن أحكام الفقهاء المحصورة في عصرهم فالعقل البشري لم يتوقف عن الإنتاج بعدهم، فهذه الأحكام المحصورة في "الحلال و الحرام" فقط أفرغت العبادة من جوهرها الروحي و جرّدت الفرد من مسؤوليته و حريته و ضميره، لتصبح مظهراً و سلوكاً مقنّناً و مميّزاً للجماعة، و ما أجملها من بيئة لنشاط المنافقين.. و ما أكثرهم حولنا..
الكتاب هام جداً و سيحارب كثيراً كما تحارب أي دعوة للتجديد، إلا أننا اليوم بأمس الحاجة لإعادة النظر و التفكّر دون الحاجة للوصاية من المؤسسات الفقهية.. و لعل عبارة أبو طالب المكّي تعبر عما نعيشه اليوم تماماً "إن الفقهاء علماء السوء كالصخرة الواقعة على فم النهر.. لا هي تشرب الماء، و لا تترك الماء يخلص إلى الزرع".
آه كم أحب الكتب التي تعتمد منهجية نقدية موضوعية، و التي لا تقدس التقاليد و المؤسسات التي تحميها سواء كانت دينا أو حكومة. هذا الكتاب هو نظرة نقدية ل"علوم" الفقه و أصوله الأربع: القرآن، السنة، الاجماع و القياس. ما أعجبني هو كيف فسر الكاتب ما فعله الفقهاء بالاسلام الأولي من خلال مأسسته و إضافة أحكام لم تكون موجودة كحد الخمر و رجم الزاني، و أيضا تفسير الآيات القرآنية خارج سياقها التاريخي كالآية التي تسمح بتعدد الزوجات و التي كانت مشروطة برعاية اليتامى، لكن الفقهاء جعلوها صالحة لجميع الحالات. الكتاب دعوة إلى إعادة النظر في الموروث الفقهي كونه لم يعد صالحا لإنسان يعيش في القرن الواحد و العشرين. الشيء الذي تختصره عبارة أبو طالب المكي "إن الفقهاء علماء السوء كالصخرة الواقعة على فم النهر .. لا هى تشرب الماء .. ولا تترك الماء يخلص الى الزرع" أملي هو أن تقتلع هذه الصخرة من طريق تطور البلدان الإسلامية سواء بإرادة سياسية أو بزيادة الوعي عند المسلم العادي.
كتاب منظم وممنهج تطرق فيه لمواضيع حساسة وقوية وكان دقيقاً جدا بتوثيق جميع ما ذكر في الكتاب عرض الاسلام بطريقة اسلام الفقهاء والاشخاص الذين سواء بسوء نية او بحسن نية قد ابتعدوا في بعض الاحيان عن المقاصد الأساسية التي أرادها رب العالمين من الكتب التي سوف أعيد قراءتها في المستقبل القريب
إسلام الفقهاء، كتاب يتناول أصل الفقه وفروعه وموضوعاته، يبدأ بمناقشة الممارسة الفقهية منذ ظهور الإسلام مروراً بالفترة التي تبلور فيها الفقه كـ علم أي بعد ظهور رسالة الإمام الشافعي في نهاية القرن الثاني للهجرة وما يتبع ذلك.
الكتاب يُلقي الضوء على الجانب الآخر، جانب البحث والتنقيب، اعتدنا منذ أن كنّا صغاراً على أسلوب التلقين، نتلقى الحكم من غير أن نعرف القصة وراه، هنا سنتعرف على بعض هذه القصص، وسيتضح لنا أن مجملها يأتي من اجتهاد بشري، وأن الاختلافات بين تبرير الحكم عادّة يعتمد على الزمن والبيئة المحيطة.
قضية مثل هذه يصعب احتوائها في 144 صفحة، لذلك عمد الكاتب إلى اختيار الأمثلة ولم يتوقف أمام كل شيء، كنت أتمنى لو كان الكتاب أشمل حتى نصل معه لنقطة واضحة، ولكنّه بالتأكيد كتاب قيّم، منظم الطرح وقويّ البنية، ويبعث على التفكير وتنوير العقل.
كما يتضح أيضاً أن الإسلام دين يُسر، وأن الأحكام القاسية التي كانت نتاج بشري، تلائمت مع فترة زمنية سابقة وليس بالضرورة أن تتلائم مع هذا العصر.
كتاب جميل ينتقد الفقهاء والاصولين وعلم اصول الفقه ويرى ان الفقه في النهاية انتاج بشري .. وان الموروث الفقهي للفقهاء القدامى ما هو الا احكام تأثرت بمعطيات الواقع آنذاك .. الكتاب ممتع و اسلوبه بسيط للفهم انصح بقراءته لكل من يريد ان يستمع الى الصوت الآخر .. اما من لا يريد ان يسمع الا الاصوات المؤيدة لآراءه وافكاره ولا يريد ان يعيد التفكير بشيئ فلا انصحه بالاقتراب من الكتاب ..
ولعل الحد الذي وضعه القرآن بحصر عدد الزوجات في اربع مع اشتراط الخوف من عدم القسط في اليتامى والعدل بمفهومه الشامل يعتبر امرا جديدا ويتجه الى الغاء التعدد , لذلك نذهب الى ان ما نص عليه القرآن وما ذهب اليه الفقهاء امران متباعدان بل يسيران في اتجاهين متناقضين , ففي حين كان النص يجيز تعدد الزواجت لغاية القسط في اليتامى فكان أصلا , كانت غاية الفقهاء تعدد الزوجات واصبح هو الاصل في نظرهم ---------------------------------------
لواضح ان المصالح الاقتصادية ومصالح الطبقات الغنيه وجهت مواقف الفقهاء في مسالة الاسترقاق , ولا تغرننا الشعارات الي ترفع في هذا الصدد من قبيل ان الاسلام قد حرر العبيد واستحضار القول المنسوب الى عمر : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا فقد بقي ذلك على مر تاريخ الفقه الاسلامي امرا نظريا اما الناحية العمليه فتختلف اختلافا تاما”
---------------------------------------------
“ان تعامل الفقهاء مع النص يمثل محددا اساسيا لاسلامهم فقد اصبح النص اداة لتبرير الاحكام اكثر من كونه مصدرا لاستنباط الاحكام بمعنى ان الحكم موجود في الواقع ولكن الفقيه يبحث له عن مستند نصي لاكسابه سمه متعاليه ولعل ذلك ادى الى استعمال النص في تبرير حكم ونقيضه وهذا طبيعي باعتبار ان النص القرآني كغيره من النصوص الدينية قابل لعدد غير محدود من التأويلات فالنص القرآني على حد العبارة المأثورة عن علي بن ابي طالب ( خط مسطور بين دفتين لا ينطق . انما ينطق به الرجال )”
كتاب قيّم رغم صغر حجمه. بيّن فيه نادر حمامي أن إسلام الفقهاء هو إسلام ينظر للدين من زاوية الأحكام، أي في إطار الحلال والحرام، وهي أحكام رغم تأخرها عن زمن الرسالة في معظمها إلا أنها اعتبرت من قبل الفقهاء ملخصةً للدين برمته. وأوضح حمامي سعي الفقهاء الى تسييج فهم النص مما أدى الى التباسه في الأذهان الى الحد الذي أصبحت فيه النصوص لا تفهم إلا من خلال الموروث الفقهي. وأمام تغير الظروف الاجتماعية المصاحبة مع الفتوحات الإسلامية ومن ثمّ تبدل معطيات الواقع اصطدم الفقهاء بحقيقة عدم كفاية النصوص القرآنية المبينة للأحكام فتم اللجوء الى إقرار إلزامية الأحاديث النبوية تحديداً في القرن الثالث الهجري، ثم الإجماع وهو الذي يقر باحتكار فئة ضيقة حق تأويل النص وفهمه، وأخيراً القياس. يبين حمامي ضمن هذا السياق أن الفقه ما هو إلا إنتاجٌ بشري، وأن الإسلام بمنظور الفقهاء هذا يقلص من مسؤولية الفرد ويؤدي الى إفراغ العبادات من جوهرها الروحي ويحولها الى طقوس تقليدية لا تحقق الهدف الأسمى من العبادة.
يدعو حمامي في كتابه الى التخلي عن النظرة التقديسية التي أضفاها الضمير الإسلامي على ما استنبطه الفقهاء القدامى من أحكام كانت مستجيبة لواقعهم وظروفهم، ويعبر عن ضرورة أن يتحول الاجتهاد الى ممارسة يومية فردية خارج عباءة الوصاية الفقهية.
فالاجيال الاسلاميه الاولى لم يعنوا بفرض تصرفاتهم التى ارتضوها على من بعدهم على عكس الفقهاء تماما الذين جعلوا اختيارات الصحابه والتابعين واتباعهم ملزمه مما جعل الفقه الاسلامى ماضويا ولا يتابع تغيير واقعه وادى به الى الجمودولا يجب ان نغتر هنا بما نجده عند ابن حزم وعند الظاهريه عموما من نفى التقليد فالامر بقى نظريالم يتعد كتب الاصول اما عمليا فان الاحكام الفقهيه تكاد تكون هى نفسها
ان مثل هذا التقنين يودى بصوره تكاد تكون حتميه الى ضروب من النفاق والى افراغ العبادات من جوهرها الروحى لتصبح مجرد مظهر اجتماعى الهدف منه الانتماء الى الجماعه فتصبح الصلاه والصوم والحج وغيرها من العبادات مجرد تقليد فولكلورى فلا يتحقق الهدف الاسمى من العباده وهو تقويم الضمائر وتربيه النفس الا ان الفقهاء لم يهتموا بذلك مطلقا فاهتمامهم كان مصوبا نحو البعد الاجتماعى للتدين وحفظ تماسك المجموعه المتدينه ومن هنا نفهم الحاح الفقهاء على مقوله الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر
استطاع الكاتب بأسلوب علمي وغير ممل ان يشرح كيف تحول الاسلام من دين يلامس الفطرة وصالح لتعدد الازمنة والمجتمعات الى دين محصور في قفص الفقهاء والسلف ومن كتب الحديث! يتكلم الكاتب عن تأثر الحديث بالفتوى والسلطة وكيف استطاع الشافعي ان يؤسس حدودا لعلم الفقه ويحصر المسلمين في كافة الازمنة في فهمه.. ويشرح الكاتب أصول التشريع والازمة التي أوصل المسلمون أنفسهم اليها وبنوا عليها ،،.
فكرة الكتاب باختصار هي أن الفقه (وأصوله) كما نعرفه إنتاج بشري في مجمله...
أحد أبرز النقاط التي يطرحها الكاتب كأمثلة على بشرية الفقه:
- يعتمد الفقه بشدة على علم الحديث الذي بدوره هو (وأصوله) أيضا إنتاج بشري!
- يعتمد الفقه أيضا وبشكل كبير على عادات وتقاليد البيئة التي وُلدَ منها، وهو خير تفسير لكثير من الآراء الفقهية الذكورية التي تَرى من الأنثى مجرد أداة أو أجيرة!
- تسييج فهم النص، وأصبح لا يُمكن ولا يجوز فهم النص إلا بما توصل إليه الموروث الفقهي. أي أصبح التعامل مع النص الديني تعاملا مقننا تنعدم فيه الحرية.
- تسييجهم للاختلاف وذلك بتحديدهم لأمور يجوز الاختلاف فيها وأمور لا يجوز الاختلاف فيها، وهذا التحديد بشري لا يدعمه النص بالضرورة.
- يدّعي الكاتب أن النص عند الفقيه أصبح "أداة لتبرير الأحكام أكثر من كونه مصدرًا لاستنباط الأحكام، بمعنى أن الحكم موجود في الواقع، ولكن الفقيه يبحث له عن مستند نصي لإكاسبه سمة متعالية، وإضفاء شرعية عليه فيغدو فاعلًا اجتماعيًا وملزمًا." وأفضل مثال على هذا تمسكهم بحدّ الرجم. فمن يبدأ بفكرة مسبقة لن يستطيع أن يفهم النص بل سيُنزل النص لفهمه.
- يدّعي الكاتب -دون دليل قوي- بأن السنة لم تكن إلزامية خلال القرنين الأوّلين، وأنها صارت كذلك من القرن الثالث بعد رسالة الشافعي.
- إصرار الفقهاء على حجّيّة الإجماع، مما يؤدي إلى "احتكار "حق" تأويل النص وفهمه، وإقصاء المخالفين لذلك الفهم". ويتطرق الكاتب كيف أن الفقهاء أنفسهم اختلفوا كثيرًا في موضوع الإجماع، وكيف أن البعض ذهب إلى استحالة الإجماع عقلًا!
- إختلاق مصدر جديد للتشريع يُسمى بالقياس، والذي قد يؤدي إلى أحكام غير منطقية.
- قول الفقهاء بأن "العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وهو قول يقتطع النصّ من سياقه ومن إطاره التاريخيّ، فيتمّ إطلاق الحكم من دون مراعات لذلك السياق، ونحسب أن الأمر يندرج أساسًا في إطار البحث عن أكثر ما يمكن من النصوص لإضفاء شرعيّة على الأحكام الفقهية".
- اهتمام الفقهاء بظاهر العبادات وبتقنينها، مما أدى إلى إهمال روحانياتها ومقاصدها. واهتمامهم كذلك بضبط السلوك في مظاهره من لبس وأكل وشرب وغيرها ن تفاصيل الحياة اليومية.
- يدّعي الكاتب -أيضا دون دليل قوي- بأن تفاصيل العبادات كما قنن لها الفقهاء لم تكن الأجيال الأولى ملتزمة بها بهذا الشكل التفصيلي.
- تقديس الإنتاج الفقهي واعتباره ملزمًا لا مجال لمنقاشته! وهو راجع لتقديس الأسلاف والفقهاء... وكذلك إقصاء المخالف واعتبار أهل كل مذهب بأنهم أعرف بالحق من غيرهم. وحديث: "من اجتهد وأصاب فله أجران... إلخ" بقي نظريًا أكثر من عملي.
- بعد الفقه عن روح القرآن أو مقاصده ومن الأمثلة التي يتطرق لها:
*تخصيصهم حدّ السرقة ووضع شروط عديدة لتنفيذه، مع أن الآية عامة لا تخصيص فيها *حد الرجم ونسخ القرآن(!) *اختلاق حد لشارب الخمر *جعل التعدد هو الأصل وإهمال السياق القرآني الذي يشرطه بالخوف من عدم الإقساط في اليتامى *مسألة الإسترقاق وكيف أنه زاد بدل أن يقل! *أحكام أهل الذمة
كل هذه الأمور أصرّ الفقهاء على إلباسها رداء إسلاميًا، مما جعل التفكير متحجرًا في قوالبهم البشرية التي ما أنزل الله بها من سلطان!
والنتيجة التي يوصلنا إليها هي: بما أن الفقه إنتاج بشري في مجمله، إذن يمكننا إعادة النظر فيما قرره الأسلاف. ويدعو إلى قبول الاختلاف وتعدد الأفكار، فالتماثل يؤدي إلى الجمود.
أعتقد مشكلة الكتاب الأساسية هو عدم تعقمه، فهو يطرح في كثير من النقط نتيجة مسبقة توصل لها لكن لا يضع الأدلة التي استخدمها للوصول لذلك الفكر، أو يضعها بشكل سريع تهميشي، وهو أمر أزعجني، فمن حقي كقارئ أن أطلع على مستنداتكَ كي أحكم عليها كما حكمت أنتَ! حتى الآيات يضع أرقامها فقط دون وضع نصوصها! وهو أمر أزعجني لأنه لم يكن بيدي مصحف حينها! صعبة تنسخ لنا الآية؟ شعرتُ أنه يقتطع التفاصيل منا وهو شيء لم يعجبني.
يتحدث الكتاب عن الإسلام كما يتعامل معه ويصيغه الفقهاء، كيف نشأ وتبعاته المختلفة، الكتاب مفيد لمن يقرأ في هذا الموضوع للمرة الأولى، ولكن من قرأ فيه من قبل سيكتشف بساطة الكتاب وعدم تعمقه بالقدر الكافي في موضوعاته. الكتاب إجمالا أشبه ببحث صغير للنشر في مجلة اكاديمية. أهم نقطتين يناقشهما الكتاب هو أثر الظرف الاقتصادي السياسي على المنظومة الفقهية وغياب فكرة المسئولية الفردية عن كامل البناء الفقهي الاسلامي. فيما يخص نشأة علم أصول الفقه وعلاقة السلطة بالفقه يمكن الرجوع لكتاب المعرفة والسلطة في التجربة الإسلامية: قراءة فى نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة.
يخلص الكاتب في -عجالة- إلى أن الفقه لا يتعدى كونه أحد أدوات الدمج والتمييز لبناء مجتمع متماسك. لكنه -ككل تلك الأدوات- يقلل من المسؤولية الفردية للأفراد، كما يقلل من حريتهم الفكرية والحياتية. يمكنك الاتفاق بسهولة مع طرح الكاتب، ولكن يمكنك تبرير منطق الفقهاء أيضا.
فسيرى الكاتب أن من الواجب منح الحرية الكاملة للأفراد بشأن حياتهم الدينية، وسيرد الفقهاء بأن تلك حرية مسمومة لأن أغلب الناس غير قادرين على تحمل مسؤوليتها. سيرى الكاتب أن الدين شأن شخصي في جوهره، وسيرد الفقهاء بأنه معني بتنظيم حياة المجتمع بالأساس.
بشكل شخصي أميل كثيرًا لوجهة نظر الكاتب، وأرى أن المجتمعات الحديثة لا تحتاج إلى الفقه، باعتباره أداة لصهر وتوحيد المجتمع، في وجود أدوات أخرى مثل الأفكار القومية والوطنية. ولكن المسألة في جوهرها تنويعة أخرى حول: الفرد أم الجماعة؟ الضمير أم الاجتماع؟
ولئن كانت تلك بالفعل مشكلة الفقه، فهي مشكلة غاية في القدم ولا يمكن الإجابة عنها من داخل الفقه ذاته. بل بالمزيد من البحث في الفلسفة وعلوم الاجتماع.
تقريبا الكتاب ده يعد الاكثر استنادا لاراء الجهال في الدين وترجيحها علي اقوال اللصحابة والتابعين دراسة اذا تم نقدها من عالم بالدين قد ينهي امرها تماما لانها تعتمد فقط علي الرغبة في الحياه باسم الدين دون التقيد باي حكم من احكامة رغبة كبيرة من هذا الكاتب في ابراز كل ما يبرر عدم العمل بالفقه وجعل الاسلام يتلخص في لا اله الا الله والتي ربما ياتي بعده من يرفضها حتي هي كذلك ويعيش بلا قيود ولا دين وقد يفرح به بعض الجهال بالدين ويجعلونه لهم مرجعا ولكني فقط اكتب هذه المراجعة لاوفر علي من يثمن من قيمة وقته ان يهدر الدقيقة الواحدة في قراءة دراسة عن الاسلاخ من الاحكام الشرعية
يُعجبني نادر حمّامي جدًّا؛ تعجبني شخصيّته وحسّه الفكاهي في المحاضرات، وتعجبني تأويلاته، وتعجبني تحليلاته في أوراقه، وتعجبني مداخلاته في مؤسسة مؤمنون بلاحدود… وهذه المرّة الأولى الّتي أقرأ لها مؤلفًا وقد زاد اعجابي به.
الكتاب من القطع الصغير ويقرأ في جلسة واحدة لمن اعتاد على مثل هذه الموضوعات الّتي تتشابه فيها النّصوص المعالجة ويختلف التأويل والتحليل فيها.