يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.
وفي سنة 1882م اشترك الامام في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز، وبعد فشل الثورة حكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، وسافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884م، وأسس صحيفة العروة الوثقى، وفي سنة 1885م غادر باريس إلى بيروت، وفي ذات العام أسس جمعية سرية بذات الاسم، العروة الوثقى.
في 3 يونيو سنة 1899م / 24 محرم 1317هـ صدر مرسوم خديوي وقعه الخديوي عباس حلمي الثاني بتعيين الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية, وقد كان منصب الإفتاء يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق وبهذا المرسوم استقل منصب الإفتاء عن منصب شيخة الجامع الأزهر، وصار الشيخ محمد عبده أول مفت مستقل لمصر
ولقد ظل الشيخ محمد عبده مفتياً للديار المصرية ست سنوات كاملة حتى وفاته المنية بالإسكندرية بعد معاناة من مرض السرطان عن سبع وخمسين سنة، ودفن بالقاهرة ورثاه العديد من الشعراء.
أنقصت نجمة لأنه لم يرق لي افتقاد الكتاب لمصادر بعض العبارات الواردة والأدلة حيث شعرت بأن الكتاب يهيمن عليه طبيعة الإمام الذي يجلس بين يديه العامة مطمئنين لما يعتقدون عنه بإمتلاكه الحقائق الثابتة . كان على الإمام محمد عبده أن ينسى قليلا نظرة الناس إليه كإمام و يتصرف كباحث في عرض الحقائق مهما بلغت من دنو للجميع ولكن ربما يكون حذا بالفعل حذو الباحثين و تغافل محمد رشيد رضا الذي أجمع تلك المقالات في الكتاب عن عرض العديد من المصادر والجدير بالذكر أن الكتاب يطرح مقارنة بين أصول الدين الإسلامي و أصول الدين المسيحي و كيف أثرت كل من تلك الأصول في استيعاب العلم والمدنية ففي حين أن المسيحية كانت تمر بأنكى حروبها تجاه العلم والمدنية كان المسلمون يندفعون إليهما بدافع من عقيدتهم لا تسامحًا معهما ويعرض مدى تقدير الخلفاء المسلمين للعلماء على إختلاف أديانهم دون تمييز وامتلاء بلاط الخليفة بالعلماء و الأطباء المسيحيين واليهود ... و يعرض أيضا مدى التآلف بين أصحاب المذاهب المختلفة بين المسلمين وقتها وكيف كانوا يتتلمذون على أيدي بعضهم البعض و كيف انتكس الإسلام بعد ذلك من تلك الفطرة الوسطية إلى تجرد المسيحية ويأتي في النهاية بعرض لفلسفة ابن رشد و آراء المتكلمين عن الوجود . الكتاب في مجمله يستحق القراءة ولكنني كنت أتمنى خوضا في التفاصيل أكثر من ذلك ولكن لا يلام كاتبه على ذلك إذ أن الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات منفصلة جمعها أحد تلاميذه له . ملحوظة : لكل من احتار في اختيار أى من الكتابين للقراءة "الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية " أم "الإسلام بين العلم والمدنية " فقد قرأت إحدى المراجعات على الأخير التي تؤكد أن هذا الكتاب الذي بين يدينا هو الحقيقي الأشمل الموثوق فيه حيث أنه مقدم من جامع المقالات مباشرة دون غيره كما أكدت أن الكتاب الآخر يحتوي على مغالطات تخص ما أورده عبده في مقالاته ..والله أعلم .
أكثر ما أعجبني في الكتاب توصيف الشيخ محمد عبده لأسباب الجمود الذي ضغى على فقهاء المسلمين مما تسبب في خلق صورة جامدة و متحجرة للدين الإسلامي لا تتفق مع حقيقة و سعة و انفتاح الاسلام