تزاحمت الأمكنة وتعددت وتوزعت، وكأن الكاتب يحمل حقيبته متجولاً في العالم بحثاً عن "مكان تحت الشمس" وعن "هوية" رحلت معه كظله. في رحلة الذهاب إلى بيروت يسترجع الكاتب، من خلال تيار الوعي أو التداعي، أيامه في أوروبا الشرقية هائماً متصعلكاً . فيحدث معشوقته دانا في رسالته الطويلة عن القدس "سأترك الدوريات العسكرية تسرع من زقاق لزقاق تطارد أشباحاً من العالم السفلي في القدس والمدن الخائفة"، ويحدثها عن حيفا وعن أن حنينه إليها "حنين جارف مثل البحر في حيفا تفجر في داخلي للحياة". ويقول إنه قرر الانتحار أثناء الحرب الأخيرة، وإذا بشخص مهندم وشعره ممشط بعناية ينقذه من قراره ويدعوه لشرب القهوة معه، أي يدعوه للكلام في ظل الحرب والزحام ليلاً في طريقه إلى أشرفية بيروت. الضوء الأزرق ظهر مبكراً في "الضفة الثالثة لنهر الأردن". يمكن الحديث عن البناء الفني في رواية "الضفة الثالثة لنهر الأردن " كمتحف، ترى فيه لوحات بصرية موسيقية، مرتبة، تارة ومنفلشة من عقالها تارة أخرى. يدخل القارئ إلى المكان ويقرأ اللوحات، كيفما اتفق، قراءة في اللوحات المنفصلة التي يربطها حبل سري ما. تيسير مشارقة
ولد الشاعر والمفكر الراحل حسين البرغوثي في قرية كوبر شمال غرب مدينة [[رام الله]]، في الخامس من أيار عام (1954)، وقد أمضى سني طفولته بين مسقط رأسه كوبر حيث أقامت والدته، وبيروت حيث عمل والده. أثر تخرجه من الثانوية العامة التحق ببرنامج العلوم السياسية واقتصاديات الدولة في جامعة بودابست للعلوم الاقتصادية في هنغاريا. وفي العام (1979) مثّل فلسطين في أكاديمية الكتابة الإبداعية في جامعة أيوا (IWP) في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد عودته إلى فلسطيني تخرج من جامعة بيرزيت وحصل منها على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي العام (1983) وقد عمل معيدا لسنة واحدة في جامعة بيرزيت قبل توجهه إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب المقارن بين الأعوام (1985-1992) من جامعة واشنطن في سياتل. عاد إلى فلسطين ليعمل أستاذا للفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت حتى العام (1997) وأستاذا للنقد الأدبي والمسرح في جامعة القدس حتى العام (2000). وأثناء هذه الفترة كان عضوا مؤسسا لبيت العشر الفلسطيني وعضوا للهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين ورئيسا لتحرير مجلة اوغاريت ومديرا لتحرير مجلة الشعراء حتى رحيله في الأول من أيار (2002) حيث توفي في مسقط رأسه كوبر اثر مرض بالسرطان استمر عدة سنوات . وقد صدر للبرغوثي ما يزيد عن ستة عشر إصداراً توزعت بين الشعر والرواية والسيرة والنقد والكتابة الفلكلورية إضافة إلى العشرات من الأبحاث والدراسات الفكرية والنقدية والنقدية بعدة لغات وفي العديد من الكتب والمجلات والصحف. وفي سياق آخر فقد وضع البرغوثي سيناريوهات لأربعة أفلام سينمائية وكتب نحو سبعة مسرحيات لفرق محلية وعالمية إضافة إلى كتابة العديد من الأغاني لفرق موسيقية مختلفة نحو صابرين والرحالة وسنابل وفرقة إحياء بلدنا.
لا أزال أفكر ما هي الضفة الثالثة لنهر الأردن. سرد الرواية يأخذنا الى هنا او هناك، الضفة الأولى للنهر هي فلسطين، والثانية هي الأردن، وهاتين هما الغربتان اللتان فرضتا قسرا ، أما الضفة الثالثة فهي الغربة الإختيارية، التي ذهبنا اليها طوعا، هي بودابيست و نيويورك وشيكاغو والسويد وألمانيا والدانوب.. كل العالم بإختصار. "الغربة بعد آخر للوطن" والغربة والإغتراب ملأتا حياة حسين البرغوثي.
الأحداث متصلة في، أو على أقل التقدير تمهد الى، الضوء الأزرق! ( ما هو الضوء الأزرق بالمناسبة)! قال البرغوثي في سأكون بين اللوز " انا ممن يتقنون البدايات وليس النهايات" بغض النظر عن سياق العبارة هذه، الا أنه برأيي يتقن النهايات أكثر ، الصفحات الأخيرة أشد وقوعا وأثرا في نفس القارئ كما في الضوء الأزرق.
الفوضى هذه التي تملأ كل زوايا النص وزوايا حياة الكاتب مشوقة و مؤلمة، يقول في الرواية مشكلتي اني ارى الأشياء بأبعاد وطريقة مختلفة، افهم اكثر من اللازم، وهذا كله يجعلني عاجزة عن سبر غور أعمال حسين البرغوثي.!
يا ربي يا حسين! ما هذا؟ ما هذا حقًا؟ ما هذا؟ أيّ عالم غريب يعيش في رأسك يا حسين؟ ما هذا الكمّ من الكائنات التي تعيش معها يوميًا وتحاورها كمحاورتنا البشريّة العاديّة؟ من أيّ عالم أنت؟ وأين تسكن؟ (وقفة) قرأتُها في جلسة واحدة بعد الساعة الثانية صباحًا، أنهيتها قُبيل الفجر، وأنا أشعر بدوار. ذهبتُ للنوم، كلّ أحلامي الغريبة كانت الصور عينها التي رسمها حسين. إنه ينقش الصور على جدار الروح. لقد رأيتُ الطريق الممطرة التي تنعكس على صفحتها أضواء النيون لتشكّل صورة أخرى، صورة وهمية، إنها صورة ماضينا. «الماضي سرب من الشجر الوهمي لا يدلّ إلا على ازدواجية عالمنا، ولكن لماذا نحدّق فيه دائمًا ونشتاق إليه دائمًا وننسى الحقيقة الملموسة حولنا؟ والحياة مثل هذا الشارع بالضبط: نصفها حلم ونصفها حقيقة.»
***
::هل هذه رواية حقًا؟::
كلا! هذه ليست شيئًا على الإطلاق! هل هذه رسالة مطوّلة للمحبوبة دانا، دانا الجميلة البعيدة، دانا الخائنة؟ هل هذه رواية فنيّة، بها صور أدبية؟ هل هذه سيرة ذاتية، القنبلة التي انفجر منها "الضوء الأزرق" فيما بعد؟ هل هذا نص حميمي، اعترافي وقوي، غاضب وحزين؟ هل هذا نص تاريخي للنفس، تأريخي للمنطقة الجغرافيا التي لُعنّها بالولادة فيها؟ كلا! هذه ليست شيئًا على الإطلاق!
***
::المحطـــات الأولى::
أ- الانتحار (القضية الأحرى بالسؤال في الفلسفة عند كامو كبداية لتفتّح العقل على الوجود العبثي): «أثناء الحرب الأخيرة قرّرت الانتحار، لأن الحياة لا تساوي ما نتحمّله حتى نعيشها.»
ب- الانسلاخ الأوّل من الهويّة الأولى: «سوف يستيقظ شخص مدفون في تابوب سريره ويهمس بحذر: "لهجتك فلسطينية! غيّرها!" ويدفن نفسه من جديد.»
جـ- التحوّل: «جسمي كلّه يتحول إلى عواء مثلما تتحول المادة إلى طاقة. وأندفع كالمجنون نحو الجبال المجاورة وأنا أعوي. أعوي على الناس والطرقات والقمر، على الينابيع البرّية والعصافير والشجر، أعوي على كل شيء. وأخيرًا أستلقي وأنا ألهث من شدّة التعب على التلال تحت النجوم.»
د- التصعلك: «سوف أحمل دلوين من الماء على كتفي مربوطين على طرفي عود يابس وأسقي الزهور في المساء. ربما يحدث ذلك! من يدري يا دانا ماذا يخفي القدر للمشرّدين؟» Strangers in the night Exchanging glances, Searching in the night What were the chances
هـ- التحليق في اللاشيء: «لكل منا ناطحة سحابه الخاصة به، وعليه إنقاذ نفسه أولاً حتى يساعد البقية. حاولي أنت، أيضًا أن تطيري!»
***
::شخصيات حسين أو بالأحرى رموزه::
دانا البولندية: المحبوبة الخائنة، الوطن البعيد الضائع، الوطن البعيد القريب. وطن التصعلك والضياع. بلال الفلسطيني: المقاومة الغبية. الأخ الذي يقلب ظهر المجن دون إبداء أسباب. ماري: عشيقة بلال. تستقبل عربداته. تطرده.
البطل الذي بلا اسم/حسين: العقل الذي يجوب هذه الشوارع المضاءة بالنيون.
الضفة الغربية لنهر الأردن: الوطن الضائع الضفة الشرقية لنهر الأردن: جواز السفر الضفة الثالثة لنهر الأردن: وطن الغربة نهر الأردن: خط الفُصام في عقل حسين. (بداية إشراف عقل حسين على الخوف من الفصام والجنون)
***
::الغربة::
«الغربة بُعد آخر للوطن!»
العشيقات، العاهرات، القبلات المسروقة، والصعلكات في الشوارع والنوم في المراحيض العام: أبعاد الوطن الضائع. إن فقدان الوطن كرمز، يجعل كل شيء يفقد قدسيته، ويصبح الإخلاص للعاهرة هو الأجدر بالاحترام.
***
::اللاجدوى الفردية::
«أنا لم أقتل أحدًا يا دانا! لم أعذب ولا حتى قطة سائبة! أنا يا دانا بلا أهل ولا وطن ولا مستقبل ولا مال! أنا مجرّد إنسان متعب جدًا، مطارد من كل شيء، أنا يا دانا...»
البكاء بين يدي زرقاء اليمامة!
***
::المرارة::
«إحساس غريب هذا الذي يلفّ الواحد منا عندما يدرك، رغم تشبثه بالحياة، رغم أن من حقه أن يحرز لحظة واحدة من السعادة، أن عليه أن يمضي محرومًا ووحيدًا ولا تبكي عليه ولا حتى قطة سائبة، هو وحده وعليه أن يمضي، سينساه كل شيء، لقد ابتلعته الغابة الزرقاء. هذا هو كل ما حدث.»
هل لم تُكتب لنا السعادة؟
***
::المرحلة الأخيرة للتصعلك::
«حلمت بالتضحية بنفسك من أجل هدف ما، أي هدف، ولكن ليس لأنك أحببت البحر والنساء والحياة، بل لأن في قلبك مرآة دائرية تهمس لك دائمًا أنك ميت وفارغ مثل الطيور في الأدغال، حاولت التضحية بنفسك لأنك لا شيء، وتحاول أن تكون شيئًا ما، بطلاً يرقص الفقراء على صوت طبوله الذهبية، لم تولد في الزمن المناسب، ولم تعش بالشكل المناسب. أنت فارغ وجبان وبلا قيمة ولا شخصية، انتحر الآن دون خوف...»
لا أقدر، هنا أبكي من حسين، لقد أمسك الشيء الذي أهرب منه طيلة عمري. الشيء الذي أراه وأتعامى عن رؤيته.. إنني أبكي، أبكي، وأشعر بدوار فظيع، وأذهب إلى النوم...
***
This entire review has been hidden because of spoilers.
رواية في غاية العذوبة من حيث سلاسة السرد، شاعرية اللغة، وجمال التعبير. حسين البرغوثي الكاتب العبقري الذي لا يتفوق على شاعريته أحد، الكاتب الفلسطيني الجميل الذي لم يوفَ حقه. هذا الكاتب أشعر أنني في الفردوس وأنا أقرأ ما كتب. كل الجمال يكمن في تفاصيل ما يكتب.
تناسب ما أقرأه مع شكل روحي بذات الوقت يدهشني بقدر ما يثقل عليها وهو يعرّيها أمام ناظري ببطء ويسلّط الضوء عليها لأراها بوضوح..
هنا ستجد حسين في كتابه (الذي احترت في تصنيفه كرواية أو سيرة ذاتية أو أدب رسائل أو مجرد هلوسات كمذكرات) يحدّث حبيبته "دانا" التي لا أدري هل هي حقيقية أم هي رمز لشيء آخر كبقية شخوص الكتاب وأماكنه وأزقته التي مرّت في ناظري مرور اللوحات من شدة وضوحها في السطور ودقة وصفه لها، يحدثها عن كل كهوفنا، عن كل ما يمكن أن يجعل حياتنا أكثر ازرقاقا. عن الحنين، الحب، التشرد، الوطن، الجنون، عن الحرب والغربة، عن السجون، الألم، عن القيود التي بإمكانها تكبيل روحنا في هذه الحياة، وعن أحلامنا الضائعة..
"سمعت في صدري حمحمة الحصان وهو يحدق في الأودية وحيدا يموت صهيله فوق ارتعاشة شفتيه من أجل أن تبقى له ذاته كلها - ذاته المتميزه ولو كانت محطمة ويائسة!"
20-2-2020 --------------------------------
"لقد ضاع كل شيء وما الذي يملكه أمثالنا من الذين ضيعوا حتى أنفسهم إلا بعض الكلمات ؟ كلمات نفاجئها فتهرب من صدى خطواتنا مثل الصراصير عند إشعال النور في سلم بيت مهجور ، احساس غريب هذا الذي يلف الواحد منا عندما يدرك ، رغم تشبثه بالحياه ، رغم أن من حقه أن يحرز لحظة واحدة من السعاده ، أن عليه أن يمضي محروما ووحيدا ولا تبكي عليه ولا حتى قطة سائبه ، هو وحده وعليه أن يمضي ، سينساه كل شيء "
لا ادري ما علاقة الاشياء ببعضها ما علاقة العنوان في المضمون ، لست متأكدة بأنني فهمت ، ربما انها تلخص حياك الفلسطيني الذي يبحث عن ضفة ثالثة لنهر الاردن لتكون له ، ربما كان هذا الاغتراب في الرواية ملخص الاغتراب الذي يعيشه الشعب حين جردوه هويته ثم هويه المقاومة و الدفاع عن نفسه ، فأحالوه لمادة هلامية لا تعريف لها ، ثم يلخص الوجه الثاني لمعاناته في السجون ، السجون تجربة نفسية بالدرجة الاولى . لكن لم افهم هذا الانتقال بين مناداته لدانا طوال الرواية ، ثم انتهائه في السجن ، ماذا حدث لبلال ؟ ثم هو ، اي الراوي لماذا ترك بلا اسم ؟! لا اذكر انه ذُكر اسمه طوال الرواية.
لكن ما انا متأكدة منه هو ارتباط الازرق في روايات حسين ، بودابست و نهر الدانوب ، كأنها أجزاء لا تتجزء منه، و كأنه كان يكتب لتنضج أخيرا رواية الأزرق !
كلما شعرت بالاغتراب عن نفسي و داهمني من العبث ما يكفي ليحتل كل ركن في روحي التجأت الى حمى البرغوثي .. فأكاد اقرأ افكاري وكل الفراغ الذي يعشش فيّ بين زوايا كلماته "فنحن نبحث عن شيء لا نعرفه ولكننا نحس أن وجودنا ناقص بدونه" ..واذا ما اطلت النظر فيما يضيع من حياتي بين ثنايا اللاشيء والنكران رأيت في قوله "والان سيداتي سادتي الحياة غالية جدا ومشكلتي انها تمر دون ان اعيش " مهونا على ما اجنيه على نفسي من تهلكة ورغبة في الرحيل .. فقد"اردت الرحيل بكل طريقة ولكن الى اين..نحن مجرد قطارات مسافرة يصمد فينا من يشاء وينزل منا من يشاء ينام في بيته وننام دائما في المحطة" "لأصل في النهاية الى انه لابد من التوهان لمحاولة الوصول ولكن "أرض الله شائكة و ليس في قدميك نعل
ما حدا غير حسين البرغوثي أقدر أقرأ كتاباته وأستمتع معه بدون أدنى جهد أو تركيز كامل، انسيابية السرد مع الضياع الجميل بالكلمات تحت قذائف المدفعية والرصاص ولكنّ الإنسان يتساءل أهرب من نفسي أروح على فين
- "من أجل أن تبقى له ذاته كلها -ذاته المتميزة ولو كانت محطمة ويائسة!" - "كان العالم مجرد مجموعة من الأشياء العادية التي لاتثير الألم ولا الحب" - "لكل منا ناطحة سحابه الخاصة به، وعليه إنقاذ نفسه أولا حتى يساعد البقية" . الضفة الثالثة لنهر الأردن، رسالة طويلة أقرب منها إلى رواية. ومشاهد مبعثرة، ورؤية الحسين الخاصة تتجلا في كل لوحة يرسمُ تفاصيلها كتابةً. والحسين عالم عميق صعب فهم ولو القليل منه بقراءة واحدة. ودائما الحسين يجيد النهايات.
لماذا يجب أن نكون غامضين إلى هذا الحد؟ ألا يوجد جواب في الكتب يا نيتشه؟" "لا" "إذن أبحث في الحياة!" "كيف؟" "الإنسان هو القضية كما قال كنفاني والإنسان ليس في الكتب !" "أين؟" "في البارات والمناجم والشوارع. أبحث عنه هناك". "هل تدري؟" "ماذا؟" "عندما ودعت أبي قال لي كلمات لا أنساها إلى الأبد. قال لي: اسمع ! العالم واسع ! إذا ذهبت للبارات تجدها مليئة، وللكنائس والجوامع تجدها مليئة، والمدارس والمكاتب وأماكن الدعارة تجدها مليئة ... كل مكان مليء بالناس. الناس طرق فاختر طريقك الخاص". "هل وجدته؟" "لا أدري" "لماذا؟" لأنني أبصر أعمق مما يجب كما قال باربوس!". "أبي قال لي كلمة واحدة: ستندم. لا أريد أن أراه إذا ندمت، فمن الصعب معانقة الشيخ هذا وأنت فاشل! يلعن العالم! لماذا نفكر نحن فقط، في هذه الأمور؟ هل نحن معقدون ومختلفون عن بقية خلق الله؟" "ماذا سيحدث لو فشلت أنت وأنا؟" "ننتحر على ما أعتقد!" "سخافة! نبحث عن بداية أخرى". "هذا سخف! قل لي يا نيتشه أين سنذهب إذا لم تقبلنا السويد وانتهت التأشيرة ليوغوسلافيا؟" "كما تهوي بنا الرجْل!"
صفحة (99-100) #حسين_البرغوثي #الضفة_الثالثة_لنهر_الأردن
من أراد قراءة سيرة حسين برغوثي بالتتابع الزمني الصحيح من الأقدم فالأحدث فعليه البدء من هنا بلا شك. ليست أقرب أعماله إليّ وليست "رواية" بالمعنى الحقيقي كما سمّاها حسين في تقديمه للكتاب، لكنها فصل من فصول سيرته بل انها الفصل الأول بكل تأكيد.
لم يكن "بلال" صديقه في سيرته هذه أجمل منه شكلًا فحسب، كما استفزته مرّة "دانا" التي يطوف وراءها ومعها طوال الكتاب، بل كان بلال أكثر تسلية منه واكثر إثارة للفضول، بل كان شخصًا محببًا وكأنه ليس من الحياة.. بل من حياة متخيلة نشتاق إليها وننسى الحقيقة الملموسة، كما يعبر بنفسه أحيانًا. بلال قد زحف كثيرًا، حتى النهاية، وكلما زحف أكثر هرم أكثر، ليجد أنه عاش حياة لم يعشها.. كان بلال الأقرب لي في هذا الكتاب.. من حسين.
أما دانا، فلا نعرف عنها الكثير.. لا تفسير لها.. تمامًا كالانتقالات المفاجئة بين الشخصيات والحوارات التي تعمّدها حسين هنا.. لا تفسير لها.. هكذا ببساطة.
بعض المقاطع المسليّة في هذه السيرة كانت عزاءا لكثير من تلك التي كانت مملة بعض الشيء.
حسين البرغوثي انسان عظيم لديه اسلوب يعجبني هذا الإسلوب قد لا يعجب الكثيرين ولكنه يعجبني ويسلبني في روايته الضفة الثالثة لنهر الأُردن, يحكي حسين قصة سفره ومعاناته في بلاد الغربة, متنقلاً من مدينة الى مدينة انها حبكة معقدة بغض النظر عن المقاطع التي أعجبتني في روايته, وخاصة ما تعلق بالسجن, ومع ذلكَ فإنها تفتقر كثيراً للدقة والحبكة والتنقل بين الشخصيات, والاسلوب المبتذل ودانا التي لم أستطع تحديد جوانبها, حتى الراوي نفسه لم أعرف من هو ولم يذكر شيء عنه, كأني قرأت رواية لشخصٍ آخر لا أعرفه, كنتُ أتمنى من حسين أن يكونَ أجمل , ولكنني أعذره فهي رواية قديمة كتبها في سنة 1948 لذلكَ سأسامح حسين هذه المرة, لو لم أقرأ له الضوء الأزرق لمزقتُ الكتاب, ومحوتُ اسمَ حسين من ذاكرتي .
حيث لا ضفة ثالثة لأي نهر ، تبقى الضفة الثالثة لنهر الأردن الهوية الثالثة و ربما البعد الثالث في قصة حسين البرغوثي ، بحثه عن الهوية على ضفة أخرى ، بلدٍ آخر ، حبيبةٍ أخرى . الضفة الثالثة هي البلد الآخر الذي اخترعه المغتصبون المحتلون للفلسطيني . الرواية هنا كما الضوء الأزرق سيرة ذاتية شبه متخيلة ، حيث دانا البولندية هي الحبيبة الوطن ، و حسين الفلسطيني المشرد الذي لا يعرف الهدوء و لا الإستقرار ، باحثاً عن هويته المغيبة . و بلال القيادة الفلسطينية التي لا تعرف كيف تحل مشاكلها مع ذاتها و مع شعبها و مع وطنها في علاقة ثلاثية معقدة . و الضفة النهاية هي العودة ، عودة حسين المبتسرة ، السجن ثم التعذيب و الإفراج اللاحق ... بلا هدف على ضفةٍ غريبة . ضفة ثالثة.
في كل مرة أقرأ فيها لحسين البرغوثي، أُدهَش. أخذني في روايته هذه إلى ضفة لم يصلها أحد بعد في العمق والجمال والفلسفة والوطن، عشتُ مشردة تائهة أبحث عن استقرار وهدوء تماما كما يبحث بطل الرواية. البناء الفني الغامض المفكك المربك لهذه الرواية وحده يعكس مرحلة عاشها وما زال الكثيرون في وطن مفكك مربك لم يعد على الخارطة. علينا أن نتذكر حين نقرأ لحسين البرغوثي أننا لا نقرأ لكاتب فحسب بل نقرأ مدرسة ومنهجا منفصلا قائما بذاته كاملا. الضفة الثالثة لنهر الاْردن
هذه القراء الثانية لحسين البرغوثي، ومنذ القراءة الأولى وهو رجل التفاصيل المُبهرة! يتلاعب بالصور من كل مكان، مُضيفًا طابعًا حميميًا يصل القارئ، لكن في هذه الرواية فعليًا لا يوجد رواية.. برأيي المتواضع أنه لا يوجد قصة، لا يوجد ترابط معين للأحداث، قصته مع دانا، تخبّطه في الغربة، السجون، الوطن الذي نحلم به جميعًا... تخبّط من النوع اللذيذ فقط.
الضفة الثالثة لنهر الأردن" هي المكان المستحيل الممكن، المأوى النفسي والوجودي للشاعر، رمز الفقد والبحث والتمرد على الثنائية الجغرافية والسياسية، إنها الضفة التي يخلقها حسين البرغوثي كي يسكنها وحده، بالكلمات.
الأشجار واغتيال مرزوق على رمال الضفة الثالثة. اقتباسات: "سبع سنوات من الغربة لم تعطه غير حقيبة جلد" "!لقد فقد كل شيء وأصبح حرا أو فقد حريته وأصبح كل شيء" "ودخلت حيث العالم الخارجي ذكرى والداخلي متاهة" "نحن مجموعة قطارات مسافرة. يصمد فينا من يشاء وينزل منا من يشاء"
"كان اليوم يوم الأحد)) لأول مرَّة أخرجت إلى باحة السجن ! تعجبت لأن السماء زرقاء إلى هذا الحد ولأنها بعيدة عنِّي إلى هذا الحدِّ، أيضاً ! اتكأت على الجدار تحت الشمس الآن لا أريد امرأة ولا حرية أنا والشمس والجدار ، وإني لسعيد" ناظم حكمت ))
من أوروبا الشرقية وصولاً للشرق الأوسط وصولاً إلى المدارس أو المسالخ، هو الذي طاف عليها كلها ليلاً وعاش معنا نهاراً، الذي أبقى على "دانا" خارج السجن. لماذا تمشي الحياة بشكل طبيعي جداً؟ يا ناس ! يا ناس ! هو الذي رأى كل شيء! لقد رأى الشبْح والتعذيب، رأى أن��ل الناس يصابون بالصرع، وتتساقط أجمل أيامهم في المرحاض، وتتبخر ذاكرته أثناء الصعق بالكهرباء، بعدها تتسلط عليه اللصوص الصغيرة. لماذا من الأساس تُمنح الوعي الذاتي وأنت دون إرادتك أو بها كاملة قد تذوب على سيخ شواء ساخن، في الرملة أو بئر السبع أو ريمون، هل أنت مسؤول عن معركة ذاتية، لذاتٍ أكبر منك أو عصابة مثلاً؟ المجد عن قرب له لون القروح، الجروح العميقة، والقيح، مع رائحة المياه المتعفنة.
لقد أراد أن ينتقم من الفتاة التي لم تعطه وجهاً في الحانة، تلك الـمجنونة لم تصدقني، بعد كل ما كان وكان، من حقها أن تخاف بالقدر الذي تشاء، ولن أجرؤ على إيذاءها، أخيفها إلى ما لانهاية فقط وأتظاهر باني أذيتها، من أجلي.
أؤمن أن الأثقال تحمل بعداً معنوياً أيضاً، سأشعر بالفخر يوماً "ربما" من الحقيبة، وربما لن أقوى على حملها أكثر، أتخيل لو أخرج أمام جمهورٍ عريض مستعرضةً محتوياتها، يااااه جميل!
الجو يزداد حرارة وأنا أنتظر الباص، إلى متى لا أحترم إرادتي، لا أريد أن أعود الآن، أو لا أريد، ليس بالباص بالطائرة مثلاً، طائرة سريعة جداً، أو مركب يتهادى "على مهله"، المحفظة "بنت الشيكل" تريد الباص. في هذا الزمن يسير الرجل وسيده أو سيدته في جيبه، لن تشعر بالعبودية إن كان لديك تلك البطاقة الصغيرة، تسحب منها ما تشاء، كيفما تشاء، أينما تشاء، قدرما تشاء من الماكنات المنتشرة في أماكن، هذا النوع. لا معنى لكل هذا، صدقاً...
)))
- "لماذا يجب أن نكون غامضين إلى هذا الحد؟" - ألا يوجد جواب في الكتب يا نيتشه؟" - "لا" - "إذن أبحث في الحياة!" - "كيف؟" - "الإنسان هو القضية كما قال كنفاني والإنسان ليس في الكتب !" - "أين؟" - "في البارات والمناجم والشوارع. أبحث عنه هناك". - "هل تدري؟" - "ماذا؟" - "عندما ودعت أبي قال لي كلمات لا أنساها إلى الأبد. قال لي: اسمع ! العالم واسع ! إذا ذهبت للبارات تجدها مليئة، وللكنائس والجوامع تجدها مليئة، والمدارس والمكاتب وأماكن الدعارة تجدها مليئة ... كل مكان مليء بالناس. الناس طرق فاختر طريقك الخاص". - "هل وجدته؟" - "لا أدري" - "لماذا؟" - لأنني أبصر أعمق مما يجب كما قال باربوس!". "أبي قال لي كلمة واحدة: ستندم. لا أريد أن أراه إذا ندمت، فمن الصعب معانقة الشيخ هذا وأنت فاشل! يلعن العالم! لماذا نفكر نحن فقط، في هذه الأمور؟ هل نحن معقدون ومختلفون عن بقية خلق الله؟" - "ماذا سيحدث لو فشلت أنت وأنا؟" - "ننتحر على ما أعتقد!" - "سخافة! نبحث عن بداية أخرى". - "هذا سخف! قل لي يا نيتشه أين سنذهب إذا لم تقبلنا السويد وانتهت التأشيرة ليوغوسلافيا؟" - "كما تهوي بنا يا رجل!" (((((
بالأمس تعلمت كثيراً، نوع المادة المقدمة يتحكم في مدى تركيزك ودرجة تيقظ الحواس، سبع وعشرة، عشر وسبعة، العشرة عبارة عن سبع وثلاث تتخيل؟! الأمر جنوني وكأن سيبيريا تقف على معادلة من هذين الرقمين، ونحن؟! نحتاج ثلاثة فقط، الأربعة أخت الثلاثة، ولدينا اثنتين، مريح الأمر نسبياً، مريح إلى حدٍ كبير.
"-افتح عينيك! - اغسل وجهك.. - شايف؟ - آه؟! - لأ انت مش شايف! ياخي خذ الأمور على محمل الجد مرة بس.. - يا أخي اتطلع كويس ! - ولك اتطلع، بضحكوا علينا - مسألتنا مسألة وقت مش أكثر - إحنا هننتهي قريب، قريب، أقرب مما تتخيل - الناس وصلت القمر، واحنا لسا بنقاتل على قطعة قماش - أخرس؟!! - ماشي، سلام."
)))
"لا نبصر، نحن العرب، إلّا الجانب المضحك من تاريخنا؟"
"لأن الشرط الأول للتقدم هو التقزز من أنفسناحتى نهرب منها! مسألة بسيطة! العالم الثالث يعبد أوروبا وأوروبا تعبد أمريكا وأمريكا لا تعبد شيئاً ما عدا حرباً عالمية ثالثة. فلنحوِّل عقدة النقص إى تقزّز والتقزّز إلى ثورة والثورة إلى احترام ذات". ((((
"آه بالمناسبة، اللي شافوا ياما ..."
"النصوص بين الأقواس مقتببسة من كتاب (الضفة الثالثة لنهر الأردن)."
• حسين البرغوثي .. وعمل آخر من روائعه يقع بين يدي .. الكاتب الذي يشعرك بعمق التجربة التي خاضها ، فيصفها بأروع العبارات و أشدها عمقا و تحريضا ..
في هذا الكتاب الذي صدر عام 1984 م يحكي الكاتب عن تجربة الضياع التي عاشها في بودابست وعن عودته من الغربة والمنفى إلى سجون الوطن ..
سيحكي عن تجربته .. عن الآمال التي علقها عليه والده و عن خيبة الأمل التي رافقته حين رأى الحياة تحرفه عن الحياة المثالية التي تمناها له والده ..
( أبي فضيع. كان يمنع حتى أصدقائي من زيارتنا في البيت حتى لا تخرب أخلاقنا ، يريدنا كلنا مهندسيين و أطباء. أخر الكبير فقط ، اخرج كما أراده ، مدير مستشفى في ليبيا ، أما البقية على الله . هل تدري ؟ كان يجب أن أدخل المقاومة ولا أخرج منها أو أن لا أدخلها بالمرة . أما هكذا ! هكذا لست إلا مجرد عالة على العالم ! أصدقائي في المدرسة تخرجوا من الجامعات ، بعضهم فتح صيدلية وبعضهم صار صاحب شركة في الخليج . وبعضهم تزوج وبعضهم مات . كنت الأول في الصف ، حصلت على أعلى معدل في الرياضيات في كل الضفة الغربية وانتهيت هكذا ! مجرد عالة على الاشتراكية والمقاومة . منحة قال ، منحة دراسية! أحيل أبي على التقاعد خلال هذه السنين ولا أدري هل سنلتقى ثانية أم لا! وأمي ماتت بشلل نصفي قبل أن أراها . سكرت لما بلغني الخبر ، رميت السرير والمقاعد من الشبابيك وكسرت المرآة والشباك ولكن . . . ماتت . . ماتت قبل أن نلتقي ثانية!» )
سيحكي عن غربته في أوروبا ، و ضياعه في الخمور والنساء .. وعن تعلقه بحبيبته " دانا " التي يوجها لها هذا الكتاب ، والتي خذلته حين جعلت منه صديقا عوضا عن الحبيب الذي كانت تراه ..
( هل كان ما بيننا حب أم مجرد وهم مثله مثل بقية الأوهام في حياتي ؟ )
سيحكي عن إلتقاءه بأمثاله من المهمشين و الضائعين العرب في بودابست .. و فيها يحكي عن انتقال بعض الشباب من حماسة المقاومة في شوارع عمان و بيروت إلى شوارع أوروبا بلا هدف .
( فرق هائل بين السماء الزرقاء في الأحراش وأنت تحمل رشاشا يتلوى كالعربيد الأسود بين يديك . وبين التحديق في أضواء «الدانوب» في الليل. الغربة بعد آخر للوطن! مرة أحرقنا سينما بأكملها في عمان لأنها عرضت فيلما مشوها عن جيفارا مثله عمر الشريف . أيام عز وثقة بالنفس . )
( لم نكن نعرف أن القدر سخيف إلى هذا الحد ! جرعنا في أيلول الهزيمة جرعة جرعة وببطء مثل صحن من القيح )
سيتحدث عن كيف تقتل السجون إنسانية البشر :
( ... اختفى الآخرون بالتدريج وانحسر الضرب والغناء حتى اقترب من الهمس . و أخيرا لم يعد حولي أو معي غير صمت ثقيل وقاتل ولا يتحرك فيه سوى ظلي فوق الجدران . حدقت طويلا بحدة خاصة . كان حزينا وصامتاً يتماوج فوق مرآة من اليأس ، و تمنيت لو أرجع طفلا في حضنها حتى أنام و أنسى كل ما عشته في الحياة ، كل ما عشته ، كله ! هززت رأسي منكمشا في الزاوية كمن يطرد ذبابة ، في قلبي مرآة دائرية و صغيرة تلمع صافية فوق جدار أصفر. شي ء مريح و بعيد يشدني إليها مهما حاولت تجنبه. " حدقت في المرآة شيء قال لي : من كان نصف ميت فليمت كليا فالحياة ليست لعبة والحنين ليس خداع ذات آه يا حبيبتي ! هل تدرك معنى لهذه الكلمات ؟ " )
وكيف تيقظه القيود على خواء الحياة التي كان يحياها :
( لقد دخل الجسد بأكمله في مرحلة خيانتك و ستفقد كل شيء عما قريب. ستفقد كل شيء ، ستخلع كل قشورك قشرة قشرة كالبصلة فلا تعثر على البصلة ، بل ستفوح رائحة العدم الروحي فيك و تلك قشرتك الأخيرة. ستتعفن وحيدا ولن يدري عنك أحد. سوف يمتصك السجن مثلما تمتص القطنة نقطة من القيح و الدم لأن رائحة ذاتك كريهة. )
( حلمت دائما هكذا ، حلمت بالتضحية بنفسك من أجل هدف ما . أي هدف ؛ ولكن ليس لأنك أحببت البحر والنساء والحياة ، بل لأن في قلبك مرآة دائرية تهمس لك دائما أنك ميت وفارغ مثل الطيور في الأدغال. حاولت التضحية بنفسك لأنك لا شيء وتحاول أن تكون شيئا ما ، بطلا يرقص الفقراء على صوت طبوله الذهبية . لم تولد في الزمن المناسب ولم تعش بالشكل المناسب . أنت فارغ وجبان وبلا قيمة ولا شخصية. انتحر الآن دون خوف ولا تفكير فالموت الفارغ نهاية لحياة فارغة ، والرعب منه دليل على أّنك واصلت خيانة الحياة حتى آخر لحظة فيها ! دائما كنت خائنا للحياة حتى عندما حاولت التضحية بنفسك من أجل شيء ما ، أي شيء . كان من الأفضل أن تنتهي في زقاق مهجور بلا نحيب ولاضجة فلست مهماً لأحد ولا حتى لنفسك !
وألقيت رأسي للخلف ، فنام على الجدار ، اغمضت عيني بيأس و بكيت .. كنت أكره الضعف والبكاء من الضعف ولكن .. على أية حال بكيت. )
• الرواية مليئة بخيبات الأمل .. بالشتات الروحي .. بالإنحراف عن البوصلة وفقدان الغاية من الوجود و تلاشي الأمل .. صراعات كثيرة كانت تحيى داخل " حسين " وكثير من الشباب أمثاله ..
( هذا هو الحاجز الغامض بالضبط. نحن نبحث عن شيء لا نعرفه ولكن نحسُّ أنَّ وجودنا ناقص بدونه )
( ... هذه هي " ألدورادو " : فردوس الهنود المفقود. واعلم يا ولدي أنني لم أقرأ في حياتي إلا أساطير " ألدورادو" . لكل شعب يا ولدي فردوسه المفقود الخاص به ، و لكل واحد منا فردوسه المفقود الخاص به ، ولكل فردوس أساطيره الخاصة. )
• في الرواية حوارات رائعة و محرضة على التفكير و التأمل :
( – ( ماذا تدرس ) سألت اليمني بلا اهتمام حقيقي. - (تاريخ !) - ( هل تحبه ) ... - ( طبعا لا ! كلما خلق حمار يجب عليك أن تدرس حياته !) اليمن على أية حال كانت خارج التاريخ حتى فترة قريبه : «تكاد إذا الأرض دارت بها لا تدور» كما قال شاعر نسيته. «دراسة تاريخ لا دور لكم فيه ليست سهلة» - ( أبدا أعتقد أنها سهلة و مضحكة ، مرة اختصمت اليمن مع السعودية على قطعة حمراء وقامت القيامة ! وصل الجيش اليمني عاصمة السعودية والجيش السعودية عاصمة اليمن ولم يلتقيا ! ما رأيك ؟ حتى تاريخنا مهزلة ! ) - ( بالمناسبة،٠ التقيت وزير الدفاع في اليمن الجنوبية قال لى : إنه لا يقرأ ولا يكتب . لا أدري هل هذه نكتة أم حقيقة . ماهي أخباره اليوم ؟) . - ( أزاحوه أو ترك الوزارة ، لاأدري .. المهم طلعت عليه نكته : بعثوه إلى موسكو لكي يتثقف فوضعوه في صف لا يوجد فيه إلا هو. في الامتحانات كان معدله الثاني في الصف ! ) - ( لا نبصر ، نحن العرب ، إلا الجانب المضحك من تاريخنا ؟ ) - ( لأن الشرط الأول للتقدم هو أن نتقزز من أنفسنا حتى نهرب منها ! مسألة بسيطة ! العالم الثالث يعبد أوروبا و أوروبا تعبد أمريكا و أمريكا لا تعبد شيئا ما عدا حربا عالمية ثالثة. فلنحول عقدة النقص إلى تقزز و التقزز إلى ثورة و الثورة إلى احترام ذات ) )
في حوار آخر بينه وبين فتاة أوروبية أراد الزواج منها كي يحصل على ت��شيرة البقاء في أوروبا : ( - أنت أناني . مجرد أناني. ما حاجتي لزوج غير موجود في هذه الحالة ؟ - ورقة فقط ، حتى لا أتشرد بين الدول يا بشر ! ورقة ، يزم ورقة ، ورقة وليس زوجة ! - أنا أحبك ! هل يعني ذلك شيئا بالنسبة لك ؟ ها ؟ - لا شيء على وجه الإطلاق ! )
في حوار مع صديقة :
( – لماذا يجب أن نكون غامضين إلى هذا الحد ؟ - ألا يوجد جواب في الكتب يا نيتشه ؟ - لا - إذن ابحث في الحياة - كيف ؟ - الإنسان هو القضية كما قال كنفاني و الإنسان ليس في الكتب - أين ؟ - في البارات و المناجم و الشوارع. ابحث عنه هناك. - هل تدري ؟ - ماذا ؟ - عندما ودعت ��بي قال لي كلمات لا أنساها إلى الأبد . قال لي : اسمع ! العالم واسع ! إذا ذهبت للبارات تجدها مليئة ، و للكنائس و الجوامع مليئة ، و المدارس و المكاتب و أماكن الدعارة والجريمة مليئة .. كل مكان مليء بالناس . الناس طرق فاختر طريقك الخاص. - هل وجدته ؟ - لا أدري - لماذا ؟ - لأنني أبصر أعمق مما يجب كما قال باربوس ! أبي قال لي كلمة واحدة : ستندم. لا أريد أن أراه إذا ندمت ، فمن الصعب معانقة الشيخ هذا و أنت فاشل ! يلعن العالم ! لماذا نفكر نحن فقط ، في هذه الأمور ؟ هل نحن معقدون و مختلفون إلى هذا الحد عن بقية خلق الله . - ماذا سيحدث لو فشلت أنت أو أنا ؟ - ننتحر على ما أعتقد . - سخافة ! نبحث عن بداية جديدة )
• الرواية مليئة باللون الأزرق .. كبقية أعمال حسين البرغوثي .. مليئة بالجمل القوية العميقة و الأفكار المتناثرة .. إنها تجربة مؤلمة على شكل كلمات .. ولهذا ، عليك أن تقرأها بكل تأنٍ و حرص .. هذا الكتاب – رغم قصره – ليس من النوع الذي عليك أن تنهيه بسرعة كي تضم اسمه إلى قائمة الكتب التي قرأتها .. هذا الكتاب عليك أن تعيشه وأن تنزل من عليك إلى الحضيض الذي كان فيه الكاتب ، كي تفهمه .. وقد تحتاج إلى إعادة قراءته مرة أخرى .. لأنن كتب حسين – كما عودتنا – تجد فيها شيئا جديدا ومختلفا كلما أعدت قراءتها ، ولن تشعر بالملل ..
( سوف أخرج من هذه المدينة في هذه الليلة ثم أدخل بيروت . أثناء الحرب الأخيرة قرّرت الانتحار ؛ لأن الحياة لا تساوي ما نتحمله حتى نعيشها . تجولت في شوارعها الخطرة وحيدا ويداي في جيبي . في منتتصف الليل تقريبا وصلت إلى شارع تئز فيه مصابيح النيون مثل الصراصير ، شارع مهجور ، عريض ، نصف مدمر ، وأشباح من العالم السفلي والحرب تعبره. واصلت السير و شيء يهمس لي أن النهاية صارت قريبة. أين الرصاصة؟ في الرأس في القدمين أم في البطن ؟ لا أدري لماذا أردت رؤية القناص الذي سيقتلني ، رؤية عينيه بالذات. )
الضفة الثالثة لنهرالاردن حسين البرغوثي عدد صفحاتها 101 تقييمي لها 5/5 عن الكاتب: حسين البرغوثي شاعر ومفكر فلسطيني ولد عام 1945 في مدينة رام الله درس العلوم السياسية واقتصاديات الدول ثم درس الادب الانجليزي توفي في العام 2002. له مؤلفات عديدة تحمل طابعاً مميزاً مقارنة بالكتّاب الآخرين. في كتابه الضفة الثالثة لنهر الأردن هو رسالة أكثر من رواية رسالة مطولة يكتبها الكاتب متحدثاً بها عن الغربة فالضفة الأولى والثانية لنهر الأردن نعلمهما جيداً، أما الضفة الثالثة التي تحدث عنها حسين البرغوثي في كتابه هي الاغتراب "الغربة عن الوطن". وكعادة قلمه الذي يأخذك إلى عمق الحالة وجمال المشهد وان يجعلك تتوه بمشاعرك وتبحث عن الاستقرار وأنت تقرأ سطور هذه الرواية، تلك الغربة التي أصبحت ملاصقة لك كونك فلسطيني والتي أصبحت عنوانك الدائم، قوة لغته وفلسفته الخاصة بالكتابة تدهشك وتأخذ بلباب عقلك، أشار إلى غربته عن وطنه وتنقله من وطن إلى آخر ثم السجن وكل ما واجه حياته تحدث عنهم بفلسفة فذة لا يصل لها أي كاتب كم هو صعب غربتنا واغترابنا عن بلادنا لنبحث عن استقرارنا وكم هو صعب العودة والسجن والتعذيب/ ثم لنرحل عن هذه الحياة معلنين انتهاء حياتنا ورحلتنا وغربتنا
رواية فلسفية كما هو اسلوب حسين البرغوثي الدائم جميلة ومعبرة " حدقت في المرآة، شيء قال لي: من كان نصف ميت فليمت كلياً فالحياة ليست لعبة والحنين ليس خداع ذات"
بعد أن أنهيتها، أمعن النظر في العنوان وأقول: عن أية ضفة ثالثة يتحدث حسين؟ هل هذه سيرة؟ أم مجموعة رموز؟ ما قصة النهر الذي يظهر ويختفي خلال السرد؟ أسالُ نفسي: لماذا المكانُ متشظياً والزمانُ مموهاً؟ ومن هي دانا؟ ولأن هذه التساؤلات زاحمتني.. أكاد أجزم أن كل ما قالهُ حسين في هذا النص الروائي الصغير مقصوداً، فلم يكن يسرد عذابات الضياع والتيه والتشرد فقط، بل كان يرمي إلى شيءٍ آخر.
نص بديع.. ومكتوب بلغة في غاية الشاعرية.
This entire review has been hidden because of spoilers.
يبدأ الجملة دون فكرة إلى أين تتجه ولا كيف ينهيها يحدث أن تأسف على الشجرة التي قطعت من أجل أن تقرأ ما قرأت الأمر أشبه بعصف ذهني يخدم غاية الكتابة، استدعاء لكل شاردة وتدوينها= يقرأ عقله الفارغ حين الكتابة
أحسست مقارنة بما قد قرأت له قبل هذا الكتاب؛ أن حسين لديه مقومات كاتب رائع ولكن أحداث حياته وتوجهاته لم تخدمه، أعني أنه لو كان مشغولا بأمور وقضايا حقيقية لكان بوسعه أن ينتج أدبا له قيمة، لأني ألتمس أدوات الكاتب عنده ولكنها تائهة عن غاية وبالتالي ضعيفه ومتردده وملجمة باليأس.
عوالم جوانيع وبوح كاوي لبراح الروح و غربة الجسد من العيش بالغربة ومن شوق وحنين للوطن المذبوح ضياع في المدن الكبرى والعيش بكل ما لديك من قدرة على حياة,,, ومن صداقة وحب وزمان ومكان
#ريفيوهات "الضفة الثالثة لنهر الأردن.......عصير الخيال والواقع" 1- رؤى مختلفة -صنعت تلك الرواية شكلا غريبا لسرد الوقائع، تتشابه مع رواية الاعترافات لربيع جابر في كونها تهتم لعلاقة الراوي مع الحدث، إذ يعلق وينتقي أحداثا بعينها برؤيته الخاصة، إلا أن المميز هنا هو لعبة يتراقص فيها الخيال مع الواقع، يحيطه ويتخلله فيصيرا نسيج واحد، فيقف القارئ مشوشا بين الراوي الهائم وبين شخوص مذكورة "كبلال أو محمد أو عبد الله وحتى الرجل ذا اللحية القريب" لأنها تتلاقى في نقاط معينة تشعر أنها شخص واحد، يمكن أن يقصد بها الكاتب وحدة الغربة وطبيعتها الواحدة التي لا تتغير...ربما ذلك
2-حقيقة معراة - والواضح من وصف الكاتب "بغض النظر عن تحفظي منه" نجد أن مقصودها يلتصق بمفهوم الحرية عنده، ليس حرفيا ولكن إن ركبنا الخيال بها يتضح بأنه يرى الحرية كشفا للحقيقة وتنفسا للخيال ليسرح بعيدا تحت ضوء يدله ويسامره ويلمس بها عنان سمائه "ولذلك تكون الجبال والقمر والخضرة رفاق خياله" -وعلى النقيض تجد في أحلك لحظاته يعيد ذلك المزج "بين الخيال والواقع كما قلنا" ترتيب مفاهيمه وتتفاعل مع مخاوفه لتزيدها حتى تصل لنقطة الهرب التي ينفلت بها الخيال باحثا عن فردوسه المفقود
3- نقاط وبما أن الكاتب يرى أصل كل الحياة نقطة، فليس يخفى وجودها وصفا أو بدلالة في أغلب أحيان الرواية، وربما نراها فاصلة بين عالمين مثل سرد بلال عن أحداث أيلول الأسود أو فترة تطوعه للمقاومة، أو فترة حب الراوي لدانا، أو ما بين الاعتق.ال والخروج، فهي نقطة ثبات بداخلها دوران بين الماضي والحاضر والمشاعر المتناقضة بنفس الطاقة والقوة، إلى أن تتفكك لتسلمنا لنقطة جديدة، وبما أن أصل الحياة نقطة فإن كل ذلك لا يتعدى النقطة بين الحياة والموت "كما في رؤيته للجثة البيضاء"
4- الحصان الأخضر "بين شيء ولا شيء" في دوامة الكاتب، أجد في تمثيله للحصان الراضي لحدوده وقوته مثلا للتفرد، وهو ما يحاول السعي له، حيث أن الاندماج مع الكون والدعوة للانغماس فيه أصبح معتادا في نظره، والهامشية لا تزال تقيده "بتلصصه ومحاولة التعايش اللحظي مع المارة" فهنا الروعة تكون للشيء الواحد الذي يعرف أن صهيله يموت عند شفتيه، فلا يجره طموحه ليقف حائرا أمام ما بيديه
الخلاصة: عمل مدوخ قليلا بسبب كثرة التشبيهات، إلا أنه عمل مبهر في سرده وحواره القليل في تجسيده لمعاناة صاحبه ومعاناة من حوله ومعاناة المغترب عموما.
- نحن نبحث عن شيء لا نعرفه ولكن نحس أن وجودنا ناقص بدونه. هذا ما شع��ت أنا به على الأقل .
- الماضي سرب من الشجر الوهمي ولا يدل إلا غلى ازدواجية عالمنا، ولكن لماذا نحدق فيه دائماً ونشتاق إليه دائماً وننسى الحقيقة الملموسة حولنا؟
-في روحي نهر أسود من الأحلام الضائعة والحرمان المطلق يجري في غابات الروح الزرقاء إلى كهف لا قعر له والنهر يزداد ضجيجاً ويوماً بعد يوم لا أشعر أني عشت على وجه الإطلاق. لماذا نزحف كلنا حتى النهاية، كلنا وبلا استثناء ؟
- نحن نجرد قطارات مسافرة. يصمد فينا من يشاء وينزل منا من يشاء. ينام في بيته وننام دائماً في المحطة .
-وأدركت حينها أنني أرى العالم بطريقة مختلفة . دائماً كنت أرى الأشياء بطريقة مختلفة .
-عندها ستعود الحياة للتماثيل الحديدية التي تجمدت من صقيعية عزلتك عنها طوال هذه السنوات! عندها لن تهرب يا ولدي رعباً قدام البحر الهائج، بل ستغتسل فيه فيعانقك البحر كالأب، واقفاً على قدميه ويرفع احتراماً لإنسانيتك قبعته الزبدية، اذهب فانت محكوم بالمعاناة ما دام الإنسان لن يعثر على نفسه .
- لا تستمر حياتنا يا ولدي دون سقوط الكثير من الورق ، والسقوط الذي يفسح المجال للجديد يكون ملوناً دائماً.
- لا نستطيع السير في الحياة إلا ملفعين بالماضي من الرأس للقدمين .
- كنت أخاف ركوب الخيل لأنها تقفز فوق الحواجز، أخاف من القمر لأنه يأتي صامتاً ويذهب صامتاً وتبقى الحواجز. كنا نجلس معاً ولكننا لا ندخل عالم الإنسان الآخر ولا يدخل عالمنا .