استمتعت كثيرا بقراءة هذا الكتاب، وذلك لموضوعه وطريقة معالجته، التي تجمع بين علم الأصول وتتبع طرق الأئمة في الاستنباط ومحاولة استكشاف الخلفيات التي انطلق منها هذا الإمام أو ذاك .. وأحسن المؤلف إذ أنه يمهد للمباحث التي تطرق لها بعرض الخلفية التاريخية والسياق العلمي وآراء أشهر المدارس الفقهية التي عاصرها الشافعي؛ لفهم كلام الشافعي بشكل دقيق.
وأعجبني كذلك دقة الباحث ومحاولته عرض آراء الأطراف بإنصاف ومن مصادرهم، وفي مثل هذه المواضيع يكثر التخبط عند بعض المعاصرين ممن ينزعون منزع تسفيه وتشويه المدرسة الفقهية المخالفة أو ينحون منحى التصالح "وحبوا بعض" ويتعسفون في نفي أي خلاف حقيقي بين الأئمة..
ففي الكتاب محاولة لتجلية رأي الإمام الشافعي في أبرز القضايا المنهجية التى كانت محل جدل في زمانه والتي كانت هي عصب تأليفه الأصولي والتي كان يكثر الحديث عنها تأصيلا وجدلا مع مخالفيه، وفي محاولة المؤلف تجلية هذه الآراء، قطع ببعضها ورجح أنها مقصود الشافعي في آراء أخرى وتوقف في بعض المسائل .. فاتحا المجال لمزيد نظر، قد توافق المؤلف أو تخالفه في ما ذكره ولكن لا شك أن الكتاب فيه الكثير من الأفكار التي تمهد لأبحاث أخرى..
بحث رائع كاشف لمنهجية الإمام الشافعي رحمه الله الأصولية. بذل الباحث جهدا في استقراء آراء الشافعي من خلال كتبه ودرس أهم مقالاته في عدة أبواب منها: الأخبار، مذاهب الصحابة والتابعين ومن بعدهم، الإجماع، القياس، الاستحسان. قارن في هذه المباحث بين رأي الإمام الشافعي ورأي الإمامين أبي حنيفة ومالك لأن معظم ما أصّله الشافعي كان على نقيضهما. حبذا لو أردف كتابه بمباحث سد الذرائع والمصلحة المرسلة.
هذا كتاب فريد مفيد، لم يأخذ حقه في الإشادة به والتنبيه عليه والحث على انتهاج نهجه في معرفة لسان أئمة السلف وفهم مذاهبهم وتنقيحها، وهذا الضرب من التصنيف من أنفع ما يكون لمبتغي فقه لسان الأئمة الأولين وتبيُّن مقاصدهم، وينبغي أن يُهتم به ويؤلَّف على منواله