February 19, 2022
حدثني عن القهر
عن الاستعباد
عن الذل
ثم حدثني بأدق التفاصيل
عن مراحل تقويض الكائن الانساني
حدثني كثيرا وطويلا كي أعي هذا الدمار
كي أتشربه
كي أدميه في لحمي وأعصابي نصلا حادا طويلا
كي أنزف روحي بكاء
كي أتعلم شيئا نافعا قبل أن أغادر هذا العالم البائس
حدثني يا أورويل فما أشهى وجع حديثك
وما أشهى ألم المعرفة النازف
الحرب هي السلام
ما المفترض علي فعله
الكتابة عن نفسي أم عن وطني أم عن وينستون
بمن أبدأ
ولكن مهلا
لما التفرقة..؟
كلنا واحد
أنا.. وينستون..جوليا..أنت..
بقعة الأرض التي تنتمي إليها روحك
وتدعوها وطن
الحريّة هي العبودية
كلنا كتلة معجونة بألف نوع من النزف
كلنا ذرات اجتمعت وتشكلت آدميين ونباتات وصخور
الجهل هو القّوة
كلنا غبار نجوم أراد له حظه السيئ أن يتشكل ليكون العائلة الإنسانية على كوكب ملعون أسميناه الأرض
الأخ الكبير يراقبك
من نحن يا أورويل..؟
من نحن حتى نفعل ذلك بأنفسنا
من نحن حتى نهزم بعضنا البعض بهذه الطريقة
أي لعنة حلت بنا فأصبحنا بشرا يأكل بعضه بعضا بأبشع الصور..؟
::::::::::::::::::::
يقول أورويل أن الكتاب الأفضل
هو ما يخبرك بما تعرفه بالفعل
ولكننا باختلاف خبراتنا لم نكن نعرف أننا يمكن لنا كبشر أن ننحط لهذه الدرجة
أن ننهزم لهذه الدرجة
كان هناك أمل أهوج يناطح بداخل كل واحد فينا بدرجة متفاوتة
يحاول الاحتفاظ بصورته الآدمية التي تمزقت أشلاء مرة تلو المرة
بعد كل قراءة للتاريخ
أو معايشة لأحداث ثورة
ولكنه كان كذلك حقا بالنسبة لي
لقد أخبرني بما كنت أعرفه بالفعل
لكنني أنكر بعضه بعناد
أهوّن على نفسي بابتداعات دماغية
بهلوسات أمل عن انتصار العدل ذات يوم
::::::::::::::::::::
من منا نظر إلى ما حوله بنفس الطريقة بعد قراءة كتاب كهذا..؟
من منا لم تتغير رؤيته لأشياء كثيرة كثيرة كان عنها غافل
أو متغافل
إن لم يكن هذا الكتاب ضربة الفأس التي تحدث عنها كافكا
والتي تهزك من الأعماق
فماذا يكون إذا..؟
::::::::::::::::::::
إنها الديستوبيا الأكثر سوادا في تاريخ الأدب
فيها يعيش الكائن الحي في خوف دائم
خوف من شرطة الفكر
من شاشات الرصد
من التفوه بكلمة قد تدمر حياته بأكملها
من تعبير وجه قد ينفلت منه دون قصد فيسحق بلا رحمة
من خطرٍ محتمل الوقوع
من عدو مجهول قد ينقض عليك في أي لحظة
من عيون الأخ الكبير
الإله..المخلص..المحبوب غصبا عن الكل.. وبرضا الكل
تلك العيون التي لم تترك شيئا لم تتواجد عليه
أغلفة الكتب ..الطوابع.. الأعلام .. أغلفة الحلوى..لعملات
إنه يلاحقك أينما تكون
وفي كل وقت
الأخ الأكبر
الطاغية المعبود في كل زمان ومكان
هذا الذي قد يكون مستوحى من ستالين
ولكنه يجثم على أنفاس الخلائق منذ بدأ تاريخ الأرض
وأوقيانيا هي الدولة التي اخترعها أورويل
ليبني على أرضها هذه الديستوبيا المريعة
فيها شاشات الرصد تترصد كل تحركاتك
فيها يحافظ الجميع على دقيقتي الكراهية
للتنفيس عن غضبهم من المعارض غولدشتاين
أو بمعنى آخر الشيطان الأعظم كما يصور له سادته
إنه مجتمع مصادر الحقوق منتهك الحريات
محروم حتى من مجرد التفكير
مجتمع يقضي عمره كله تحت الرقابة
التي تحصي عليه أنفاسه وتحركاته
مجتمع يعرف مصيره منذ أن يولد
يعرف أن الطاغية الأعظم قد حدد له كل شيء سلفا
طعامه.. شرابه .. نوع قهوته -بن النصر
عدد شفرات الحلاقة
فيه وزارة الحقيقة تزور الحقيقة وتختلق الأكاذيب
وزارة السلام تختص بشؤون الحرب والسلاح
وزارة الوفرة تجوع المواطنين
ووارة الحب تعذب الخلائق وتناهض الجنس
أهي تسميات ساخرة حقا..؟
أوزارة الحب تختلف عن الأمن الوطني أو أمن الدولة عندنا..؟
في الرواية تبررها فلسفة الحزب-الدولة للتفكير المزدوج
أما عندنا فما هو التبرير يا ترى
::::::::::::::::::::
يعتمد الحزب الميمون على ما أسماه بالتفكير الازدواجي
إنه يعني ببساطة أن تعي الحقيقة كاملة
ومع ذلك تصدق عكسها وبنفس القناعة
أن تؤمن برأيين متناقضين
" أن تجهض المنطق بالمنطق
أن ترفض الالتزام بالأخلاق فيما أنت واحدٌ من الداعين إليها
أن تعتقد أن الديمقراطية ضربٌ من المستحيل في حين أن الحزب وصيّ عليه
أن تنسى كل ما يتعين عليك نسيانه ثم تستحضره في الذاكرة حينما تمس الحاجة إليه
ثم تنساه مرة ثانية فورًا.."
إنه ليس تجردا من الإنسانية فحسب
إنه إعادة تصنيع للمخ البشري
بعد محو كل ما بداخله
إنهم لا يكتفون بأن تخاف
بأن تصير كتلة ممزقة اللحم والأعصاب تستعطفهم الموت حتى ينتهي عذابك
إنهم يحيلونك آخر
ليصير عقلك ألة
مجرد آلة صماء تنفذ الأوامر
وهذا الآخر أو الآلة يصير مقتنعا تمام الاقتناع بكل استبداد كان يناضل لأجل زواله
إنهم يمسخونك ..
وهذا أشنع ما في الأمر
هذا أشنع ما في الأمر
::::::::::::::::::::
يعمل وينستون سميث في وزارة الحقيقة
يشاهد ويشارك يوميا في تزوير التاريخ
كل السجلات تم إتلافها
وكل كتاب أعيدت كتابته وكل صورة أعيد رسمها
واسم كل تمثال وشارع وبناية جرى استبداله
وكل تاريخ جرى تحريفه
“إننا نقوم بتدمير الكلمات –عشرات بل مئات الكلمات
"كل يوم يجري تدميرها.. إننا نسلخ اللغة حتى العظام
ولكن وينستون ارتكب الجريمة العظمى
فقد بدأ في الشك
والتفكير في هذا الهراء الذي يعيش بداخله
لقد تمرد في عقله ثم على أرض الواقع
يقيم علاقةً مع جوليا المتمردة كذلك
ينخرط معها في تنظيم للتآمر على الحزب
أو هكذا خيل لهما
وهكذا يلقى تحت رحمة من لا يرحم
"إننا سنسحقك إلى درجة لا يمكنك بعدها أن تعود بحياتك إلى سيرتها الأولى وستحدث لك أشياء لن يمكنك أن تبرأ من آثارها حتى لو عشت ألف عام وأبدا لن تقدر ثانيةً على الشعور بما يشعر به الأحياء
إن كل شيء سيموت داخلك ولن تعود قادرا على الحب أو الصداقة أو الاستمتاع بالحياة أو الضحك أو حب الاستطلاع أو الشجاعة أو الاستقامة
"ستكون أجوف لأننا سنعصرك حتى تصبح خواء من كل شيء ثم نملأك بذواتنا
والتعذيب الرهيب الذي يتعرض له وينستون هو تعذيب ممنهج
"نحن لا نحطم أعداءنا فحسب
وإنما نغير ما في أنفسهم"
لا بطش من أجل الانتقام
أو تلقين الخارجين عن قوانين الحزب درسا قاسيا
إنهم لا يقبلون بالطاعة السلبية أو حتى بالخضوع بمعناه المعروف
فعندما يخضع السجين في النهاية يجب أن يكون ذلك نابعًا من إرادته الحرة
لا يكفي أن تقول أن 2 + 2 =5
يجب أن تؤمن بها
"إننا نبدد فكره ونجعله واحدًا منا قبل أن نقتله
إننا نجري للدماغ غسيلا شاملاً قبل أن نعصف به
نحن نختلف عن طغاة الماضي الذين يقولون:
يجب أن لا تفعل ذلك
وعن الاستبداديين الذين يقولون:
يجب أن تفعل ذلك
"نحن نقول: كن..
إنهم لا يسمحون لأحد بأن يخرج من سجنهم شهيدا
إنهم لن يسمعوا عنك أبدًا لأنّك ستُزال تمامًا من سجل التاريخ"
سنحيلك إلى غاز ثم نطلقك في الهواء. سنجعلك نسيًا منسيًّا. ولن يبقى منك شيء لا اسمًا في سجل ولا أثرًا في ذاكرةٍ حيّة
ستمحى كل علاقةٍ لك بالماضي كما بالمستقبل وستصبح وكأنك لم تكن "
-كم اصبعا تري يا ونستون ..؟
-أربعا.. خمسا
الرقم الذي تريده ..كل ما أرجوه أن توقف الألم...
تحت وطأة التعذيب يعترف وينستون "بجرائم" لم يرتكبها أصلا
وغدا همه الوحيد أن يكتشف ما يريدون أن يعترف به"
حتى يبادر إلي الاعتراف قبل أن يلجأ المحققون لحمله علي ذلك"
اغتيال عدد من أعضاء الحزب البارزين
وتوزيع منشورات تحرض علي الفتنة
واختلاس أموال عامة وبيع أسرار عسكرية والاشتراك في عمليات التخريب
وبأنه كان عميلا مأجورا لحكومة استاسيا
وبأنه كان مؤمنا بالله ومعجبا بالرأسمالية
وبأنه انزلق الي الشذوذ الجنسي
وأنه قتل زوجته بالرغم من أنه يعرف مثلما يعرف المحققون أن زوجته لا تزال علي قيد الحياة
......
يمر وينستون بمراحل عدة حتى يصل لمرحلة القبول
لقد شعر في غحدى المراحل بأن بقاءه إنسانا
هو أمر يستحق التضحية من أجله
حتى لو لم يؤد ذلك إلى نتيجة فإنه يكون قد ألحق بهم الهزيمة
وقد مرت عليه أوقات كانت رؤيته للحرية
هي أن يموت وهو يكرههم
ولكن ذلك كما نعلم.. لم يدم طويلا
::::::::::::::::::::
إنه هذا المزج العجيب الذي تمكن منه أورويل تمكن أستاذ
فبرغم كون الرواية تحمل عمقا وقوة تجعلها بلا جدال من الطراز الرفيع
إلا أنها تصل لجميع نوعيات القراء
ولا تحتاج فئة معينة كي تفهمها
هي موجهة للجميع
واستطاعت أن تصل إلى قلوب الجميع
لقد صنع المعادلة الصعبة بالفعل
فلا تدع براعتها السياسية تنسيك أنها رواية أدبية من أعلى طراز
::::::::::::::::::::
السلطة عند الحزب الحاكم
اقرأ جيدا ما يقوله أورويل على لسان أوبراين
إن الحزب يسعى إلى بلوغ السلطة لذاتها تلك المطلقة. السلطة غاية وليست وسيلة. لا نسعى وراء الثروة ولا الرفاهية ولا العمر المديد ولا الس��ادة. إننا ندرك أنه ما من أحد يمسك بزمام السلطة وهو ينتوي التخلي عنها. فالمرء لا يقيم حكما استبداديا لحماية الثورة وإنما يشعل الثورة لاقامة حكم استبدادي. إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد. و��لهدف من التعذيب هو التعذيب وغاية السلطة هي السلطة. والسلطة هي سلطان على البشر، على أجسامهم وعلى عقولهم قبل كل شيء. أما أن يكون لك سلطان على المادة فليس بالأمر الهام إذ نحن نسيطر على المادة سيطرة مطلقة.
::::::::::::::::::::
النهــــاية
وينستون يذبحنا بكلماته الأخيرة
أذكر أنني وقت القراءة الأولى ظللت أردد تلك الجملة
بلا وعي وبانذهال تام
فاكتب معي الآن ضاحكا حتى ينخلع قلبك
الحرب هي السلام
العبودية هي الحرية
الجهل هو القوة
2+2=5
وحاول معي أن تحل هذه الأحجية
:
:
!
-------------
هذه المراجعة أرهقتني
وعذبتني
وأضنت روحي تماما
أعتذر لطولها..كما أعتذر لكثرة الاقتباسات ولكثرة ثرثرتي
إنني فقط أحاول محاولات طفولية
أحاول كتابة ما يليق بعظمة مثل هذه الرواية
وأرجو أن أكون قد وفقت في أن أصف
ولو بعض مما اعتراني مع هذا العمل البديع
..
عن الاستعباد
عن الذل
ثم حدثني بأدق التفاصيل
عن مراحل تقويض الكائن الانساني
حدثني كثيرا وطويلا كي أعي هذا الدمار
كي أتشربه
كي أدميه في لحمي وأعصابي نصلا حادا طويلا
كي أنزف روحي بكاء
كي أتعلم شيئا نافعا قبل أن أغادر هذا العالم البائس
حدثني يا أورويل فما أشهى وجع حديثك
وما أشهى ألم المعرفة النازف
الحرب هي السلام
ما المفترض علي فعله
الكتابة عن نفسي أم عن وطني أم عن وينستون
بمن أبدأ
ولكن مهلا
لما التفرقة..؟
كلنا واحد
أنا.. وينستون..جوليا..أنت..
بقعة الأرض التي تنتمي إليها روحك
وتدعوها وطن
الحريّة هي العبودية
كلنا كتلة معجونة بألف نوع من النزف
كلنا ذرات اجتمعت وتشكلت آدميين ونباتات وصخور
الجهل هو القّوة
كلنا غبار نجوم أراد له حظه السيئ أن يتشكل ليكون العائلة الإنسانية على كوكب ملعون أسميناه الأرض
الأخ الكبير يراقبك
من نحن يا أورويل..؟
من نحن حتى نفعل ذلك بأنفسنا
من نحن حتى نهزم بعضنا البعض بهذه الطريقة
أي لعنة حلت بنا فأصبحنا بشرا يأكل بعضه بعضا بأبشع الصور..؟
::::::::::::::::::::
الولاء يعني إنعدام التفكير .. بل إنعدام الحاجة للتفكير
الولاء هو عدم الوعي
____________
يقول أورويل أن الكتاب الأفضل
هو ما يخبرك بما تعرفه بالفعل
ولكننا باختلاف خبراتنا لم نكن نعرف أننا يمكن لنا كبشر أن ننحط لهذه الدرجة
أن ننهزم لهذه الدرجة
كان هناك أمل أهوج يناطح بداخل كل واحد فينا بدرجة متفاوتة
يحاول الاحتفاظ بصورته الآدمية التي تمزقت أشلاء مرة تلو المرة
بعد كل قراءة للتاريخ
أو معايشة لأحداث ثورة
ولكنه كان كذلك حقا بالنسبة لي
لقد أخبرني بما كنت أعرفه بالفعل
لكنني أنكر بعضه بعناد
أهوّن على نفسي بابتداعات دماغية
بهلوسات أمل عن انتصار العدل ذات يوم
::::::::::::::::::::
من وجهة نظر الطبقة الدنيا
فإن أي تغيير تاريخي لا يعدو أن يكون مجرد تغيير في أسماء سادتها
ــــــــــــــــ
من منا نظر إلى ما حوله بنفس الطريقة بعد قراءة كتاب كهذا..؟
من منا لم تتغير رؤيته لأشياء كثيرة كثيرة كان عنها غافل
أو متغافل
إن لم يكن هذا الكتاب ضربة الفأس التي تحدث عنها كافكا
والتي تهزك من الأعماق
فماذا يكون إذا..؟
::::::::::::::::::::
إن ألد أعدائك هو جهازك العصبي
ــــــــــــ
إنها الديستوبيا الأكثر سوادا في تاريخ الأدب
فيها يعيش الكائن الحي في خوف دائم
خوف من شرطة الفكر
من شاشات الرصد
من التفوه بكلمة قد تدمر حياته بأكملها
من تعبير وجه قد ينفلت منه دون قصد فيسحق بلا رحمة
من خطرٍ محتمل الوقوع
من عدو مجهول قد ينقض عليك في أي لحظة
من عيون الأخ الكبير
الإله..المخلص..المحبوب غصبا عن الكل.. وبرضا الكل
تلك العيون التي لم تترك شيئا لم تتواجد عليه
أغلفة الكتب ..الطوابع.. الأعلام .. أغلفة الحلوى..لعملات
إنه يلاحقك أينما تكون
وفي كل وقت
الأخ الأكبر
الطاغية المعبود في كل زمان ومكان
هذا الذي قد يكون مستوحى من ستالين
ولكنه يجثم على أنفاس الخلائق منذ بدأ تاريخ الأرض
وأوقيانيا هي الدولة التي اخترعها أورويل
ليبني على أرضها هذه الديستوبيا المريعة
فيها شاشات الرصد تترصد كل تحركاتك
فيها يحافظ الجميع على دقيقتي الكراهية
للتنفيس عن غضبهم من المعارض غولدشتاين
أو بمعنى آخر الشيطان الأعظم كما يصور له سادته
إنه مجتمع مصادر الحقوق منتهك الحريات
محروم حتى من مجرد التفكير
مجتمع يقضي عمره كله تحت الرقابة
التي تحصي عليه أنفاسه وتحركاته
مجتمع يعرف مصيره منذ أن يولد
يعرف أن الطاغية الأعظم قد حدد له كل شيء سلفا
طعامه.. شرابه .. نوع قهوته -بن النصر
عدد شفرات الحلاقة
فيه وزارة الحقيقة تزور الحقيقة وتختلق الأكاذيب
وزارة السلام تختص بشؤون الحرب والسلاح
وزارة الوفرة تجوع المواطنين
ووارة الحب تعذب الخلائق وتناهض الجنس
أهي تسميات ساخرة حقا..؟
أوزارة الحب تختلف عن الأمن الوطني أو أمن الدولة عندنا..؟
في الرواية تبررها فلسفة الحزب-الدولة للتفكير المزدوج
أما عندنا فما هو التبرير يا ترى
::::::::::::::::::::
إن جريمة الفكر لا تفضي إلى الموت إنها الموت نفسه
ـــــــــــــ
يعتمد الحزب الميمون على ما أسماه بالتفكير الازدواجي
إنه يعني ببساطة أن تعي الحقيقة كاملة
ومع ذلك تصدق عكسها وبنفس القناعة
أن تؤمن برأيين متناقضين
" أن تجهض المنطق بالمنطق
أن ترفض الالتزام بالأخلاق فيما أنت واحدٌ من الداعين إليها
أن تعتقد أن الديمقراطية ضربٌ من المستحيل في حين أن الحزب وصيّ عليه
أن تنسى كل ما يتعين عليك نسيانه ثم تستحضره في الذاكرة حينما تمس الحاجة إليه
ثم تنساه مرة ثانية فورًا.."
إنه ليس تجردا من الإنسانية فحسب
إنه إعادة تصنيع للمخ البشري
بعد محو كل ما بداخله
إنهم لا يكتفون بأن تخاف
بأن تصير كتلة ممزقة اللحم والأعصاب تستعطفهم الموت حتى ينتهي عذابك
إنهم يحيلونك آخر
ليصير عقلك ألة
مجرد آلة صماء تنفذ الأوامر
وهذا الآخر أو الآلة يصير مقتنعا تمام الاقتناع بكل استبداد كان يناضل لأجل زواله
إنهم يمسخونك ..
وهذا أشنع ما في الأمر
هذا أشنع ما في الأمر
::::::::::::::::::::
وأدرك أيضاً أن هذا هو ما يعتري الإنسان في كل المواقف البطولية والمأساوية
ففي ميدان القتال أو في غرفة التعذيب أو على متن سفينة تغرق
تغدو القضايا التي تحارب من أجلها طيّ النسيان دائما
ذلك لأن جسدك يظل يتضخم حتى يملأ عليك العالم فلا ترى سواه
ــــــــــــــــ
يعمل وينستون سميث في وزارة الحقيقة
يشاهد ويشارك يوميا في تزوير التاريخ
كل السجلات تم إتلافها
وكل كتاب أعيدت كتابته وكل صورة أعيد رسمها
واسم كل تمثال وشارع وبناية جرى استبداله
وكل تاريخ جرى تحريفه
“إننا نقوم بتدمير الكلمات –عشرات بل مئات الكلمات
"كل يوم يجري تدميرها.. إننا نسلخ اللغة حتى العظام
ولكن وينستون ارتكب الجريمة العظمى
فقد بدأ في الشك
والتفكير في هذا الهراء الذي يعيش بداخله
لقد تمرد في عقله ثم على أرض الواقع
يقيم علاقةً مع جوليا المتمردة كذلك
ينخرط معها في تنظيم للتآمر على الحزب
أو هكذا خيل لهما
وهكذا يلقى تحت رحمة من لا يرحم
"إننا سنسحقك إلى درجة لا يمكنك بعدها أن تعود بحياتك إلى سيرتها الأولى وستحدث لك أشياء لن يمكنك أن تبرأ من آثارها حتى لو عشت ألف عام وأبدا لن تقدر ثانيةً على الشعور بما يشعر به الأحياء
إن كل شيء سيموت داخلك ولن تعود قادرا على الحب أو الصداقة أو الاستمتاع بالحياة أو الضحك أو حب الاستطلاع أو الشجاعة أو الاستقامة
"ستكون أجوف لأننا سنعصرك حتى تصبح خواء من كل شيء ثم نملأك بذواتنا
والتعذيب الرهيب الذي يتعرض له وينستون هو تعذيب ممنهج
"نحن لا نحطم أعداءنا فحسب
وإنما نغير ما في أنفسهم"
لا بطش من أجل الانتقام
أو تلقين الخارجين عن قوانين الحزب درسا قاسيا
إنهم لا يقبلون بالطاعة السلبية أو حتى بالخضوع بمعناه المعروف
فعندما يخضع السجين في النهاية يجب أن يكون ذلك نابعًا من إرادته الحرة
لا يكفي أن تقول أن 2 + 2 =5
يجب أن تؤمن بها
"إننا نبدد فكره ونجعله واحدًا منا قبل أن نقتله
إننا نجري للدماغ غسيلا شاملاً قبل أن نعصف به
نحن نختلف عن طغاة الماضي الذين يقولون:
يجب أن لا تفعل ذلك
وعن الاستبداديين الذين يقولون:
يجب أن تفعل ذلك
"نحن نقول: كن..
إنهم لا يسمحون لأحد بأن يخرج من سجنهم شهيدا
إنهم لن يسمعوا عنك أبدًا لأنّك ستُزال تمامًا من سجل التاريخ"
سنحيلك إلى غاز ثم نطلقك في الهواء. سنجعلك نسيًا منسيًّا. ولن يبقى منك شيء لا اسمًا في سجل ولا أثرًا في ذاكرةٍ حيّة
ستمحى كل علاقةٍ لك بالماضي كما بالمستقبل وستصبح وكأنك لم تكن "
-كم اصبعا تري يا ونستون ..؟
-أربعا.. خمسا
الرقم الذي تريده ..كل ما أرجوه أن توقف الألم...
تحت وطأة التعذيب يعترف وينستون "بجرائم" لم يرتكبها أصلا
وغدا همه الوحيد أن يكتشف ما يريدون أن يعترف به"
حتى يبادر إلي الاعتراف قبل أن يلجأ المحققون لحمله علي ذلك"
اغتيال عدد من أعضاء الحزب البارزين
وتوزيع منشورات تحرض علي الفتنة
واختلاس أموال عامة وبيع أسرار عسكرية والاشتراك في عمليات التخريب
وبأنه كان عميلا مأجورا لحكومة استاسيا
وبأنه كان مؤمنا بالله ومعجبا بالرأسمالية
وبأنه انزلق الي الشذوذ الجنسي
وأنه قتل زوجته بالرغم من أنه يعرف مثلما يعرف المحققون أن زوجته لا تزال علي قيد الحياة
......
يمر وينستون بمراحل عدة حتى يصل لمرحلة القبول
لقد شعر في غحدى المراحل بأن بقاءه إنسانا
هو أمر يستحق التضحية من أجله
حتى لو لم يؤد ذلك إلى نتيجة فإنه يكون قد ألحق بهم الهزيمة
وقد مرت عليه أوقات كانت رؤيته للحرية
هي أن يموت وهو يكرههم
ولكن ذلك كما نعلم.. لم يدم طويلا
::::::::::::::::::::
كان الذي استهواه من ذلك كله هو تلك الحركة
التي نزعت بها ثيابها وطوحت بها أرضا
فبرشاقتها وعدم مبالاتها بدا كأنها تقوض ثقافة كاملة
وتنقض نظاما فكريا بكليته، كما لو لن الأخ الكبير والحزب وشرطة الفكر يمكن أن تذهب أدراج الرياح بحركة بارعة كحركة ذراعها
ــــــــــ
إنه هذا المزج العجيب الذي تمكن منه أورويل تمكن أستاذ
فبرغم كون الرواية تحمل عمقا وقوة تجعلها بلا جدال من الطراز الرفيع
إلا أنها تصل لجميع نوعيات القراء
ولا تحتاج فئة معينة كي تفهمها
هي موجهة للجميع
واستطاعت أن تصل إلى قلوب الجميع
لقد صنع المعادلة الصعبة بالفعل
فلا تدع براعتها السياسية تنسيك أنها رواية أدبية من أعلى طراز
::::::::::::::::::::
السلطة عند الحزب الحاكم
اقرأ جيدا ما يقوله أورويل على لسان أوبراين
إن الحزب يسعى إلى بلوغ السلطة لذاتها تلك المطلقة. السلطة غاية وليست وسيلة. لا نسعى وراء الثروة ولا الرفاهية ولا العمر المديد ولا الس��ادة. إننا ندرك أنه ما من أحد يمسك بزمام السلطة وهو ينتوي التخلي عنها. فالمرء لا يقيم حكما استبداديا لحماية الثورة وإنما يشعل الثورة لاقامة حكم استبدادي. إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد. و��لهدف من التعذيب هو التعذيب وغاية السلطة هي السلطة. والسلطة هي سلطان على البشر، على أجسامهم وعلى عقولهم قبل كل شيء. أما أن يكون لك سلطان على المادة فليس بالأمر الهام إذ نحن نسيطر على المادة سيطرة مطلقة.
::::::::::::::::::::
النهــــاية
وينستون يذبحنا بكلماته الأخيرة
أذكر أنني وقت القراءة الأولى ظللت أردد تلك الجملة
بلا وعي وبانذهال تام
فاكتب معي الآن ضاحكا حتى ينخلع قلبك
الحرب هي السلام
العبودية هي الحرية
الجهل هو القوة
2+2=5
وحاول معي أن تحل هذه الأحجية
:
:
لن يثوروا حتى يعوا
ولن يعوا إلا بعد أن يثوروا
!
-------------
هذه المراجعة أرهقتني
وعذبتني
وأضنت روحي تماما
أعتذر لطولها..كما أعتذر لكثرة الاقتباسات ولكثرة ثرثرتي
إنني فقط أحاول محاولات طفولية
أحاول كتابة ما يليق بعظمة مثل هذه الرواية
وأرجو أن أكون قد وفقت في أن أصف
ولو بعض مما اعتراني مع هذا العمل البديع
..