الشفاهي والمكتوب ظاهرة تزامن في الغالب نشوء الحضارات والدول، فالقاعدة العامة إن البواكير الأولى لذلك النشوء تكون في الغالب غير مؤرشفة أو مـدونـة ثم تتعاقب القـرون وتبدأ مرحلة التدوين لذلك الماضي الغابر، فيتم تشكيله بالصورة التي يوائم سياقها، لم تكن الحضارة العربية الإسلامية بمنأى عن هذا القانون العام، فيسعى الكتاب الحالي للتمييز بين الشفاهي والمكتوب، وبيـان مـلامـح كل واحد منهما بطريقة حفرية قلما تم تداولها أو تناولها في الدراسات السابقة التي عالجت هذا الموضوع، ومحاوره المختلفة والتي يختلط فيه الثقافي والديني فلم تشمل ظاهرة الشفاهي والمكتوب الظاهرة الأدبية حصـراً، وإنما تميزت أيضاً إسلامياً باستطالتها على تدوين الحديث والتفاسير المبكرة.
غريجور شولر هو مستشرق سويسري وأستاذ سابق للدراسات الإسلامية في جامعة بازل، يُعتبر من أبرز الباحثين الغربيين في مجال التاريخ الإسلامي المبكر يتناول الكتاب تطور استخدام الكتابة والشفوية في بدايات الإسلام، وكيف تفاعلت هاتان الوسيلتان في نقل المعرفة والحفاظ عليها. يبحث الكتاب في دور الكتابة في تدوين القرآن الكريم، والحديث النبوي، والشعر، والأخبار، وكيف تطورت هذه العملية عبر الزمن. يستكشف الكتاب أيضًا أهمية الرواية الشفوية في نقل المعرفة، وكيف كانت هذه الطريقة هي السائدة في المجتمع العربي قبل الإسلام وفي بداياته. ثم بعد ذلك يحلل الكتاب العوامل التي أدت إلى التحول التدريجي من الاعتماد على الشفوية إلى الكتابة، وكيف أثر هذا التحول على الثقافة الإسلامية. يُجادل شولر بأن التدوين المبكر للنصوص الإسلامية (كالقرآن والحديث) بدأ في القرن الأول الهجري، مُتحديًا أطروحات بعض المستشرقين (مثل جوزيف شاخت) الذين يرون أن التدوين تأخر حتى القرن الثاني أو الثالث. يؤكد شولر أن القرآن دُوِّن في حياة النبي محمد (ص) بشكل جزئي، وأن عملية الجمع في عهد أبي بكر وعثمان كانت تنظيمًا لمواد مكتوبة موجودة أصلاً، وليس اختراعًا من عدم. حيث يقول "لا يمكن فهم الإسلام المبكر دون إدراك أن الشفاهة والكتابة كانتا وجهين لعملة واحدة... فالمؤمنون الأوائل لم ينقلوا النصوص عن ظهر قلب فحسب، بل سجلوها أيضًا على كل ما تصل إليه أيديهم".
مبدئيا لا أستطيع كتابة مراجعة عن الكتاب حتّى أقرأ الترجمة الثانية الكتابة والشفوية في بدايات الإسلام فالتّرجمة الّتي بين يدي تقع في 400 صفحة بينما الترجمة المأخوذة مباشرة عن اللغة الأصلية لا تتجاوز 240 صفحة! علاوة على أن المُترجم مؤدلج وهذا يظهر في المقدّمة ولا أعلم إن تلاعب في النقول أو الاستشهادات انتصارا لرأي معيّن أم لا (ومبدئيا أقول لم يتلاعب وكان أمينا ولكن هذه تحتاج إلى تأكّد)
النّقطة الأكثر أهميّة في الكتاب هي ثنائية الشِّفاهي/المكتوب في نقل التراث الإسلامي ومن خلالها يقرأ الباحث تراثنا الإسلامي وأقول إن من يقول بالشّفاهية هم المسلمون، ومن يقول بالمكتوب هم المستشرقون أو الأوربيّون؛ وهما –في رأي المؤلف وفي رأيي– على خطأ فلهما منطلقات أيديولوجية مغلّفة بالمعرفة أدّت إلى تضاد داخل الثنائية وكأن القضية عند المسلمين هي إثبات الإبداع في تراثنا، وعند المستشرقين (والأوروبيين) نفيُ هذا الإبداع، استمرارًا –ربما– للنزعة الفيلولوجية.